مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

القمة الضرورة

عندما يجتمع قادة الدول العربية - باستثناء سوريا - اليوم في الأردن لن تكون أية من التحديات المطروحة أمامهم جديدة. على العكس، اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة يأتي في وقت نشهد فيه تفاقم أزمات عاشتها الدول العربية منذ سنوات، من دون توجه عربي موحد، أو منسق، لمعالجتها. ومع شدة هذه الأزمات وخيبات الأمل في تنسيق العمل العربي المشترك، ليس من المستغرب تقليل بعض الأوساط من أهمية القمم العربية. إلا أن العالم العربي في قمة الحاجة لهذه القمة لمحاولة رأب الصدع، على الأقل في بعض الملفات الشائكة. وعلى الدول العربية انتهاز فرصة ترؤس الأردن لهذه الدورة، فالمملكة الهاشمية تتمتع بموقع استثنائي يساعدها على تفعيل دور الجامعة العربية خاصة بسبب العلاقات الخاصة التي يتمتع بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالقيادات العربية. ولكن تفعيل هذا الدور يعتمد على عزيمة القيادات العربية وبلورة تفاهم من الدول الأساسية بناء على مصالح معلنة بدلاً من شعارات غير مقنعة.
والتهديدات للأمن العربي، من تهديد «داعش» للمجتمعات العربية إلى توسيع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والطموحات الإيرانية التوسعية، ليست جديدة على قادة الدول العربية أو شعوبها. ولكن هناك تطورات يمكن البناء عليها لحلحلة بعض المشكلات العالقة. فعلى سبيل المثال، هذه القمة الأولى التي يحضرها الرئيس اللبناني ميشال عون بعد سنوات من غياب رئيس لبناني بسبب التعطل السياسي في البلاد. والمشاركة المرتقبة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من شأنه أن يعمق التعاون بين الأقطاب اللبنانية السياسية. أما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فمن المرتقب أن يشارك في القمة، بعد أيام من انتهائه من زيارة عمل إلى واشنطن جمعته بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، وحضر خلالها اجتماع تحالف مكافحة «داعش». وربما العلامة الأبرز لهذه الزيارة لقاء العبادي بوزير الخارجية السعودي عادل الجبير على هامش اجتماع مكافحة «داعش». وكان هذا اللقاء الثاني بين الطرفين، بعد الزيارة المفاجئة للجبير إلى بغداد.
أما أزمة سوريا، التي ما زالت عضويتها في المنظومة العربية معلقة منذ 6 سنوات، فطرحها مع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على هامش القمة لن يخرج بنتيجة جديدة. إلا أن وجوده في القمة مهم، إذ من الضروري أن يعاد الصوت العربي إلى جهود حل الأزمة السورية، التي تسعى إيران وروسيا إلى الانفراد بمعالجتها فيما يخدم مصالحهما. ومشاركة الأردن في اجتماع آستانة ساهم بذلك ولو بشكل محدود. وحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس القمة، وللمرة الأولى منذ أن تبوأ منصبه، يأتي بعد أيام من استقالة الدبلوماسية الأردنية ريما خلف من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا) بعد دعمها لتقرير يسجل الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ويثبت سياسات الفصل العنصري. وعلى العرب اتخاذ موقف موحد وصريح في دعم خلف في موقفها ومطالبة الأمم المتحدة بعدم التراجع عما ينصه القانون الدولي من تلك السياسات.
القمة المنعقدة في الأردن تتمتع بأهمية عالية أيضاً بسبب مشاركة رفيعة المستوى، فبدلاً من الاعتماد على مشاركة محدودة من قبل وزراء الخارجية يشارك غالبية قادة الدول العربية، على رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والعاهل المغربي الملك محمد السادس. وهذه المشاركة مرتبطة بالطبع بالعلاقات الاستثنائية التي استطاع الأردن أن ينميها مع محيطه العربي. والحراك الدبلوماسي الذي استبق القمة يدل على الجهود الأردنية على جعل هذه القمة نقطة محورية في تنسيق التوجهات العربية. فحتى الأيام الأخيرة قبل انعقاد القمة واصلت القيادات الأردنية اجتماعاتها بأطراف عدة، فقد قام العاهل الأردني بزيارة المغرب، بينما أوفد وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى الدوحة.
وستراقب طهران تفاصيل القمة بحذافيرها، بحثاً عن أية خلافات عربية يمكنها استغلالها، ودفع حلفائها في دول عربية إلى عدم تحقيق أبسط معايير الانسجام في قضايا جوهرية. ولكن التطورات في بغداد وبيروت خلال الأشهر الماضية قد تمثل فرصة لحرمان طهران من هذا الطمع. كما أن مشاركة موفدين للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين يدل على أهمية هذا التجمع العربي. ولكن سيسعى كل طرف إلى إظهار نفسه العامل النافذ الأبرز في المنطقة - على الرغم من أن القوة العربية في النهاية تكمن في معرفة مصالحنا وبناء علاقات مبنية على خدمة تلك المصالح.
ومن دون شك، فإن توجهات الإدارة الأميركية فيما يخص الملفات العربية يجب أن يؤدي إلى تنسيق عربي ينتهز فرصة التغيير في البيت الأبيض للتصدي للطموحات الإيرانية. والتنسيق العربي بين القوى الرئيسية يمكنه أن يمهد للتأثير على القرار الأميركي في وقت تبلور الإدارة الأميركية سياساتها الخارجية وتبحث عن طروحات جديدة للتفاعل مع المنطقة. ويبدو أن زيارة العاهل الأردني بداية العام الحالي نجحت في تعطيل قرار ترمب نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وهذا إنجاز لا يمكن الاستهانة به، وينوي الملك عبد الله الثاني العودة إلى واشنطن بعد أيام من انتهاء أعمال القمة. ويشكل ذلك مؤشراً مهماً لنية الأردن انتهاز هذه الفرصة لدفع العجلة الدبلوماسية للتأثير على الأحداث... بدلاً من الاعتماد فقط على ردود الفعل. وعلى القمة العربية على الأقل أن تعطي رئيس القمة التأييد والدعم المطلوبَيْن في مسعاه لتمهيد الطريق لنجاحه، الذي سيكون نجاحاً عربياً.