حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

متشددونا ويمينهم المتطرف حلف غير معلن

إسلاموفوبيا نار متوقدة وقودها الناس المتشددة والحجارة الملتهبة التي تُرمى فلا تفرق بين معتدل ومتطرف. اشتعلت نار الإسلاموفوبيا وعلقت بالثوب الغربي والنافخ فيها طرفان متطرفان؛ أحدهما متشددون مسلمون والثاني يمينيون غربيون متطرفون، وهذان الطرفان مع عداوتهما المستحكمة إلا أنهما لا يعيشان بمعزل عن الآخر، ولا يستغنيان عن بعضهما، ولا يمكن أن يكون لأحدهما نفوذ وتأثير وتمدد من دون وجود الآخر، ولو اعتدل أحدهما ذبل الآخر، ولو خف بريق أحدهما خفت الآخر.. هما الطرفان النقيضان المتوافقان، وهما الضدان المتوائمان, ألا تلاحظون أن رموز اليمين المتطرف سياسيين أو دينيين ينتشون لكل حادثة إرهاب ارتكبها مسلم متشدد، وفي المقابل يطير فرحاً كل مسلم متشدد أو إرهابي خارجي كلما أطلق أحد اليمينيين الغربيين المتشددين تصريحاً متوتراً عن الإسلام أو المسلمين، أو أثمر لوبيهم النشط إجراءات «رسمية» قاسية تستهدف وجود المسلمين أو مؤسساتهم؟ وكذلك يسوء المتشددين المسلمين واليمينيين الغربيين المتطرفين مواقف الاعتدال والاتزان والاستيعاب والتعايش عند الطرف الآخر لأنها الأجواء التي لا يمكن أن يتنفسوا ويعيشوا فيها؟
ولعلكم تلاحظون أنه كلما طالت فترات السلم والأمان والتعايش عمد أحد الطرفين إلى تعكير الجو بحادثة إرهابية أو اعتداء عنصري أو تصريح إقصائي متوتر لأنها الأكسجين الذي يستنشقونه، وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي تصيب حيناً وتخطئ أحياناً أخرى، فالمحصلة أن هذين التيارين المتناقضين يكسبان مزيداً من مساحة الاعتدال والتسامح والتعايش، وكلا التيارين اللدودين المتحالفين يتكئان بقوة على التواصل الاجتماعي وينفران من الإعلام التقليدي بشقيه المرئي والمقروء ويكسبان مزيداً من التيارات الشعبوية، ولا أدل على ذلك من قدرة اليمين الغربي المتطرف من الوصول إلى مناصب رئاسية ووزارية وبرلمانية، ومؤشرهم في صعود مطرد، وكذلك الحال مع المتشددين والإرهابيين في العالم العربي على وجه التحديد الذين تمكنوا من استقطاب الآلاف من الشباب إلى أماكن الصراع، وأبقوا على شريحة أخرى قنابل موقوتة، إلى أن توجوا ذروة نجاحهم بتأسيس ما سموه بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام».
ولهذا انبرى في العالم العربي والإسلامي والغربي دول ومؤسسات وأفراد يحاولون إطفاء نيران الإسلاموفوبيا، وقد دخلت رابطة العالم الإسلامي مؤخراً طرفاً مهماً في هذه الجهود متكئة على ثقل هذه المؤسسة التاريخي والمكاني، يقود هذه الجهود أمينها العام الجديد الدكتور محمد العيسى بديناميكيته المعروفة ونشاطه الدؤوب يعززها طلاقة لسان وقدرة على التواصل، وقد نشرت هذه الصحيفة مقاطع لمشاركاته وجهوده، آخرها حديثه المهم في قاعة البرلمان الأوروبي وضع فيه عدداً من النقاط على الحروف، فقد أشار إلى أن الإسلاموفوبيا ستزيد من أعداد المتطرفين الذين كانوا بالأمس أسوياء معتدلين في مجتمعاتهم في عدد من الدول غير الإسلامية.
وفي تقديري أن هذه الجهود يجب أن تشمل إقناع صناع القرار في الدول الغربية بضرورة دمج المؤسسات الإسلامية «المعتدلة» ذات الخطاب الوسطي في النشاط لتقليص مساحة التشدد في الأقليات المسلمة، فهذه أداة لا غنى عنها لأنها الأقدر والأكثر كفاءة والأدرى بدروب التشدد ومصادره وطرق علاجه.