ليونيد بيرشيدسكي
TT

ماذا ينتظر الاتحاد الأوروبي؟

أعرب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، مؤخراً، عن رؤية مستقبلية للكتلة الأوروبية من خلال عرضه لخمس رؤى مختلفة. وفي حين أن البعض قد يعدها محاولة لصياغة الأجندة السياسية من دون تحمل المسؤولية الكاملة عنها، إلا أنها بدت كدعوة محمومة للدول الأعضاء للبحث عن الشجاعة للالتفاف حول قرار استراتيجي حقيقي.
ومن خلال اتخاذ الموقف المحايد، يحاول يونكر الاقتراب من منظور أن الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً منذ الإعلان عن الخروج البريطاني، يواجه التهديد المباشر بأن يتحول إلى مجموعة من البلدان غير الموحدة وذات المصالح المتضاربة. ومع ذلك، فإن الأوروبيين يثقون بالاتحاد أكثر مما يثقون ببرلمانات بلادهم وحكوماتها، وذلك وفقاً لمسح «يوروباروميتر» الاستقصائي الذي أجري في نوفمبر الماضي.
والسيناريوهات الخمسة التي قدمها يونكر - وكان مستخفاً بأحدها - ويقضي بتحول الاتحاد الأوروبي إلى مجرد تكتل تجاري - بينما السيناريو الذي يفيد بالتحرك السريع نحو الاتحاد الفيدرالي لا يلقى التأييد الكامل من قبل أي زعيم أوروبي. وأشاد البرلمان الأوروبي بيونكر عندما أعلن أن الاتحاد معني بأكثر من مجرد التجارة الحرة بين الدول الأعضاء، ولكنه رفض ترتيب الخيارات الثلاثة الأخرى المطروحة على الطاولة، ألا وهي: الاستمرار كما كان الاتحاد من قبل، وإنشاء الاتحاد الأوروبي فائق السرعة، أو التركيز على رسالة الاتحاد الأوروبي وفق قائمة أقصر من الأهداف المعلنة.
وليس هناك من جديد بشأن هذه السيناريوهات، التي تثير المزيد من التساؤلات حول توقيت أحد التقارير الإخبارية المنشور في صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية، الذي يفيد بأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الهولندي مارك روت طلبا من يونكر تأجيل عرضه للسيناريوهات الخمسة المذكورة،
وإنني أشك في أن يكون ذلك من قبيل الأخطاء الصحافية. فلقد فاض الكيل بيونكر من إلقاء اللوم على بروكسل في كل ما يحل بأوروبا من أخطاء، ولقد كرس جزءا من خطابه البرلماني الأخير للإعراب عن ذلك.
لقد أوضح يونكر الأمر بأنه لا يعتقد أن المفوضية الأوروبية تملك الصلاحيات الكافية للقيام بما ينتظر الزعماء الوطنيون منها القيام به، على سبيل المثال الاضطلاع بقضايا مثل البطالة بين الشباب.
وبالتالي فإن هذا الأمر يتركنا أمام سيناريوهين اثنين؛ أحدهما يتعلق بالتكنوقراط، والذي أعتقد أنه الخيار المفضل حالياً لدى يونكر: ويقضي بمنح بروكسل الصلاحيات القوية للقيام ببعض الأمور ذات الأهمية. ولقد لمح يونكر في خطابه إلى أنه يفضل هذه الفكرة.
يتركنا ذلك أمام السيناريو المفضل لدى المستشارة ميركل، والذي تدعمه أيضا الحكومة الاشتراكية في فرنسا، والكثير من السياسيين الأوروبيين الغربيين: أوروبا فائقة السرعة التي تختبر فيها مجموعة صغيرة من البلدان محاولات التكامل الوثيق، ما يؤدي إلى التكامل المالي، مع إتاحة الفرصة للبلدان الأخرى للانضمام أو الابتعاد. وهناك، رغم ذلك، الكثير من المشاكل المتعلقة بهذا الخيار. حيث تميل دول أوروبا الشرقية إلى اعتبار هذا الخيار وسيلة لعكس اتجاه التوسع شرقا لدى الاتحاد الأوروبي، وبولندا والمجر - العضوان بالاتحاد الأوروبي اللتان تخضعان لحكومات غير ليبرالية وشعبوية – تشعران أن مثل هذا الخيار موجه ضدهما على نحو خاص.
كما أن خيار السرعة الفائقة من شأنه أيضاً أن يقلل من فرص أوروبا لأن تكون قوة توازن فعالة في مواجهة الحمائية الأميركية الجديدة. وبالنسبة لهذه النقطة تحديداً، تحتاج أوروبا إلى إزالة الحواجز التجارية المتبقية داخل الاتحاد.
والخيار الذي أوضحه يونكر ليس سهلاً ولا هو بالخيار التافه. فإن التجاهل التام هو الاستجابة التقليدية داخل الاتحاد الأوروبي للخيارات العسيرة، ولكن مع العرض الواضح والصريح لكافة الخيارات أمام كافة الأطراف، فإن ذلك الخيار المطروح سوف يفقد جاذبيته، وقد يعتبر من الخيارات الجبانة. لقد حان الوقت لأن يُظهر زعماء الدول القومية الأوروبية الحاليون نوعاً من الرؤى، وقدراً من العزم والتصميم لدعم وتعضيد هكذا خيار.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»