خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

أرض الروائع

لا تنفك أوروبا من الاستحواذ بإعجاب من يزورها. بالطبع لآسيا أيضاً عجائبها، ولكنها مستترة بعيداً عن الآخرين. وأقصد بالآخرين أبناء سلالات البحر المتوسط. عفواً، يبدو أنني فشلت في الإفصاح عن مقصدي. ما أقصده هو أن معالم حضارات القارة الأوروبية أصبحت مثاراً لمشاعر كل من ينظر إليها. هذا ما خبرته فور زياراتي وطوافي في مراكزها. وهو طبعاً مما حملني على الإقامة فيها وجعل من الصعب علي مفارقتها.
يصدق ذلك بصورة خاصة على الأميركيين. تراهم يعبرون المحيط الأطلسي ليصلوا إلى هذه القارة ويتفرجوا على متاحفها وآثارها وكنائسها وقصورها. يعودون ليرووا ما شهدوا وانبهروا به. ولكن كاتبهم الكبير الذي أشرت له في مقالتي السابقة، مارك توين، استطاع أن يعود ويسلط موهبة سخريته على ما رأى. فعل ذلك في كتابه الشهير «أبرياء في الخارج». لم يشعر بالجبن والرهبة حيال ذلك التراث. كتب يقول:
«أود أن أقول كلمة واحدة بشأن مايكل أنجلو. كنت قد اعتدت على عبادة هذه العبقرية الجبارة له. الرجل الذي كان عظيماً في الشعر والرسم والنحت والمعمار. عظيماً في كل شيء لمسته يداه. ولكنني لا أريد أن أفطر على مايكل أنجلو، وأتغدى على مايكل أنجلو، وأتعشى على مايكل أنجلو، وأشرب مايكل أنجلو بين الوجبة والأخرى. لا بد لي أن أغير بين حين وآخر. رأيته في مدينة جنوة وقد صمم كل شيء فيها. لقد صمم حتى بحيرة كومو. هل سمعنا بأي اسم آخر غير مايكل أنجلو في كتب الأدلة السياحية لمدينة بادوا وفيرونا وفينيسيا وبولونا؟ إنه رسم كل شيء تقريباً في مدينة فلورنسا. وحيث لم يقم بتصميم أي شيء، جلس على صخرة أحبها ونظر حوله، وأخذونا لنرى هذه الصخرة التي جلس عليها!
في مدينة بيزا، صمم كل شيء باستثناء البرج المائل. ولربما نسبوا هذا البرج إليه لو أنه لم يخرج عن الوضع العمودي إلى هذا الحد المخيف. وصمم أرصفة الليغورن ووضع نظام دائرة الجمرك... ولكن هنا هذا الشيء المخيف. لقد وضع تصاميم كاتدرائية القديس بطرس، وصمم البابا، وصمم البانثيون، وملابس جنود البابا، ومجرى نهر التيبر، ومبنى الفاتيكان، والكولوسيوم، والكابيتول، وصخرة التربيان، وقصر الأسقف برنيني، وفوانيس سان جون، وعمود الكومبانا، وطريق الأبيان، والجبال السبعة، وحمامات كركالة، ومجرى ماء كلوديان، والكوكاماكسينا».
«إن هذا الرجل اللحوح صمم كامل المدينة الخالدة، روما. وما لم يكذب كل الناس وكل سائر الكتب، فإنه قام برسم كل شيء في هذه المدينة!».
«وفي إحدى جولاتنا، صرخ صاحبي دان بوجمايكله الدليل: كفى! كفى! لا تقل أي شيء آخر. لخص كلامك بكلمتين، قل إن إيطاليا برمتها، بجبالها وأنهارها وضع تصميمها مايكل أنجلو!».
«لم أشعر طيلة حياتي بالرضا والبهجة... كما شعرت يوم أمس وفهمت أن مايكل أنجلو مات منذ زمان!».
ويبدو أنه قد صمم مارك بن أيضاً.