خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

النملة في ذكائها وغبائها

هناك تفاوت بين الشعوب فيما يتعلق بتعاملها مع الفكاهة. يقول العارفون: «إذا رويت نكتة للألمان فسيضحكون ثلاث مرات عليها؛ أولاً احتراماً لك، وثانياً عندما تشرحها لهم، وثالثاً عندما يفهمونها. وإذا رويت النكتة للإنجليز فسيضحكون مرتين؛ أولاً احتراماً، وثانياً عندما يفهمونها. أما الفرنسيون فسيضحكون مرة واحدة ويفهمونها. وإذا رويتها للأميركان فلا يضحكون عليها؛ لأنهم قد سمعوها قبلك».
هذه هي الروح الأميركية في التعلق بالفكاهة، الروح التي أعطتنا كل هذا السيل من الظرفاء والمنكتين والهزليين في كل الميادين. رويت في مقالتي السابقة بعض فكاهات الظريف الأميركي بيل ناي. وأود أن أنتقل في هذه المقالة لشيء من فكاهة الظريف الشهير مارك توين. وهنا نراه يبحلق في هذا المخلوق الصغير، النملة، ويخرج بهذه الطرافة:
«يبدو لي بالنسبة لموضوع الذكاء أننا كثيراً ما بالغنا في ذكائها وقدرتها بشكل كبير. فخلال الصيف قضيت وقتي في مراقبتها بدلاً من قيامي بشيء أهم وأنفع. ولكنني ما زلت أبحث عن أي نملة حية لها من العقل ما يفوق عقل أي نملة ميتة. لقد اقتنعت بأن النملة ذات المستوى الاعتيادي من الذكاء مخلوق زائف. أعترف بالطبع بجهادها ومثابرتها، فهي هنا أحرص ما يكون على الجد والتعب عندما نراقبها وننظر إليها. ولكنني أتكلم عن غبائها وتحجر دماغها.
إنها تخرج بحثاً عن الطعام وتجد فريسة. فماذا تعمل بها؟ أتعود بها لجحرها؟ كلا، تذهب إلى أي مكان آخر غير بيتها. إنها لا تعرف حتى مكانه! لربما يقع على مسافة لا تتجاوز الثلاث أقدام. ولكن دعك من ذلك. فهي لن تهتدي إليه. تصطاد فريستها، وكما قلت، فريستها عادة شيء لا ينفعها ولا ينفع أي مخلوق آخر. وهو اعتيادياً سبعة أضعاف حجمها. تمسك به من أسوأ نقطة وترفعه بكل قوتها للأعلى في الهواء. وتبدأ بالحركة ولكن ليس في اتجاه بيتها وإنما في الاتجاه المعاكس تماماً. وليس بحذر وأناة وإنما بعصبية وسرعة جنونية، تستهلك كل قواها وطاقتها. تلتقي في طريقها بحجر وبدلاً من الاستدارة حوله تعمد إلى تسلقه وتدير ظهرها نحوه وتجرجر بفريستها فتسقط على الجانب الآخر من الحجر.
«تقفز ثانية على أرجلها بإرادة عارمة، تنفض التراب من جسمها وتلحس يديها. تمسك بالفريسة بعنف، تلقي بها يميناً وشمالاً. ترمي بها إلى أمامها. تزداد جنوناً وجنوناً. ترفع الفريسة ثانية إلى الأعلى بكل قوتها ثم تركض بها في اتجاه جديد مختلف تماماً عن الاتجاه السابق. تلتقي بساق عشبة من الحشيش، وبدلاً من الالتفاف حولها تحاول أن تتسلقها وتجر الفريسة معها، وهو ما يساوي قيامي بحمل كيس حنطة من هايدلبيرغ لباريس عن طريق كنيسة ستراسبورغ. وعندما تصل إلى قمة العشبة تجد أنها ليست بالمكان المقصود. تنظر حولها ثم تلقي بنفسها بعنف للأرض...».
وهكذا يمضي الكاتب في هذا الوصف لغباء النمل، ويتساءل: ما الذي جعلنا نعتقد بذكاء النمل؟ الجواب لأننا لسنا بأذكى منها! انظروا لما يفعله «داعش» والإسلامويون.