مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

المحتسب... عند الشيخ البلادي

المؤرخ والبلداني والأديب البحاثة السعودي، عاتق بن غيث البلادي، رحمه الله، من رموز الرعيل «العصامي» من منقبي الجغرافيا والتاريخ السعودي، من الجيل الذي كان يجوب بسيارته (الوانيت) أو (الجيب) أودية الحجاز وريعانه وجباله، وكل ربوع الجزيرة العربية، مقارنا بين القديم والجديد.
له مؤلفات كثيرة، بعضها من ذوات الأجزاء الضخمة، كلها مفيدة ثرية دانية القطوف، وله أيضا رسائل لطيفة المعنى والحجم، منها جزء بديع، اسمه (معجم الكلمات الأعجمية والغربية في التاريخ الإسلامي)، رتبه على هيئة قاموس يتتبع الكلمات التي بقيت في الاستخدام التاريخي العربي، ومنه المحلي لابن الحجاز خاصة، وبقية الجزيرة العربية، وهي في غالبها من أصول: فارسية أو تركية، ثم مصادر عجيبة مثل القبطية واليونانية.
هناك أيضا كلمات، رجّح البلادي، أن تكون من جذر عربي، وإن بدت غير ذلك، خاصة أن الفارسية والتركية، بدورها، استعارت من العربية كلمات وتراكيب كثيرة.
مثلا، يشير البلادي لكلمة (آخور) بالفارسية معناها (المعلف) و«يطلق هذا اللقب على القيّم على إسطبلات السلطان وما في حكمها». أقول، في الكويت اليوم، يسمّون المخيمات البرية المخصصة للنزهة التي فيها - أحيانا - بعض الماشية، الجواخير، جمع جاخور، أو «ياخور».
ومن الكلمات أيضا (الأستاذ) هو المعلّم وأستاذ الصناعة ونحوهما، مأخوذ من الفارسية (استاد) وبالتركية (أوستا) فعربتها العرب (أسطى) ص 11.
كلمة (البندر) فارسية بمعنى المدينة الساحلية، كبندر جدة. وأقول: اسم بندر، للشخص، شائع ذائع في وسط وشمال الجزيرة العربية ص23.
من الكلمات أيضا (الخزناوية) قال البلادي: مثل ما نقول اليوم (الإخويا) وهم قوم اتخذهم الشريف عون حاشية له. ص44. أقول: الإخويا لفظ عامي قديم بوسط وشمال الجزيرة العربية، الاسم نفسه والمعنى نفسه كان لدى الأنباط! كما في قاموس العالم السعودي باللغات العربية القديمة، الدكتور سليمان الذيب. وبالمغرب يسمى رجال السلطة بـ«المخزن».
غير أن الكلمة التي أفاض «الشيخ» عاتق في شرحها هي: (المحتسب).
قال عنها: «تشبه أمانة المدن اليوم، ويدخل في اختصاص المحتسب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنظر في الخضار والفواكه ومعاقبة من يبيع الفاسد وجميع الأقوات من مكيل وموزون كاللحوم وغيرها، والطرقات ومباسط الشوارع، والمباني الحديثة، وفي العموم يكاد عمله يشتمل كل ما في المدينة وقد يفوّض - أيضا - على ضواحيها». ص99.
أظن أن آخر أمر يمكن أن يقال عن المرحوم البلادي هو ما يقال عن كل من يقترب، ولو علميًا، بالحديث عن هذا اللفظ، الحسبة، وظيفةً، وتاريخًا، وتحولات. من قبل قوم نصّبوا أنفسهم حراسًا للمعنى.
اللغة متحف حي لا يكذب!
[email protected]