سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

المنطق الذي لا يراه إسلاميو الجزائر!

قرأت منذ فترة، أن الشيخ علي بن حاج، نائب رئيس الجبهة الإسلامية المنحلة، ينشط بشدة هذه الأيام، فيما وصفته أجهزة الحكومة المعنية هناك بأنه نشاط تحريضي، وأنه، أي بن حاج، يمارس نشاطه المُشار إليه في مساجد مختلفة، وممتدة، وفي مناسبات الأفراح والجنائز، وأن ذلك قد أقلق السلطات المختصة، فصدر قرار في حقه بما يشبه تحديد الإقامة! والمعنى أنه لم يعد حرًا في الحركة، كأيام زمان، وأنه الآن إذا أراد أن يؤدي فريضة الصلاة فلا أحد يستطيع طبعًا أن يمنعه من أدائها، ولكن عليه أن يفعل ذلك في مسجد محدد، لا في أي مسجد، وأن حلقات الوعظ التي كان يعقدها في هذا المسجد، أو في ذاك، لم تعد متاحة أمامه، على نحو ما كانت متاحة من قبل!
تقديري، من بعيد أيضًا، أن نشاط الرجل في مناسبات الأفراح والجنائز لم يكن تحريضيًا، بقدر ما كان في حقيقته نشاطًا انتخابيًا يريد به أن يجلب الأصوات إليه، وإلى تياره عمومًا، في يوم التصويت، ولكن السؤال هو: هل الجمهور الذي يخاطبه الشيخ بن حاج في لحظته هذه مهيأ لأن يسمع منه، ولأن يقتنع بما يسمعه، بحيث يؤثر ذلك على اتجاه تصويته، أم إن تجربة المواطن الجزائري على أرضه، مع ممارسات الإسلاميين في عقد التسعينات الشهير، سوف تقف حاجزًا أمامه، كناخب، في هذا السبيل؟!
وحتى لو افترضنا نظريًا أن خطوة إلقاء السلاح التي أقدمت عليها جبهة بن حاج، والتيار كله بوجه عام من وراء الجبهة، قد تركت أثرًا نفسيًا طيبًا في وجدان الناخب الجزائري، وتلك مسألة صحيحة تقريبًا، فإن تجربة التيار الإسلامي في عمومه خارج الجزائر، على طول المنطقة، وعرضها، لا تسعف إسلاميي الجزائر، وتقف لسوء الحظ ضدهم، لا معهم في غالب الأحوال!
تجربة الإخوان في القاهرة، خلال السنة التي حكموا فيها، أقامت حاجزًا بينهم وبين الجمهور، وألقت بكثير من الشكوك لدى غالبية المصريين، في قدرة الجماعة الإخوانية على مقتضيات الحكم، وفي مدى إخلاصهم للدولة الوطنية، كفكرة، بل وفيما إذا كانوا مُهيَئين في الأصل ليكونوا على مقاعد السلطة!
السنة التي قضاها محمد مرسي في القصر كانت عليه، ولم تكن له، ولا لجماعته، وكانت خصمًا من رصيد ظلت الجماعة تؤسس له وتضيف إليه، منذ نشأتها عام 1928، فإذا بأدائها في اثني عشر شهرًا، لا غير، يبدد الرصيد كله، ويجردها من تعاطف معها كان لدى كثيرين من المصريين، إلى يوم نجاح مرشحها في سباق الرئاسة أمام الفريق أحمد شفيق!
ولأن جماعة الإخوان أصل، وما عداها من حركات الإسلام السياسي في المنطقة فرع، بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن ما أصابها عند متعاطفيها في مصر يظل كأنه عدوى تنتقل في دوائر تضيق في البداية، ثم تتسع وتتسع، إلى أن تبلغ مداها!
تجلت العدوى بهذا المعنى على أوضح صورة في ليبيا، ذات الحدود المباشرة مع الدولة المصرية، ففيها جرت انتخابات البرلمان بعد سقوط الإخوان في مصر، وكان نصيب الإخوان الليبيين أقل من خُمس المقاعد بكثير، ولو أن الانتخابات ذاتها جرت في أجواء إقليمية أخرى، وفي أجواء غير أجواء انتكاس «الربيع العربي»، لربما كان النصيب من المقاعد أفضل على نحو ملحوظ!
وفي تونس غربًا، كان تأثير عدوى السقوط الإخواني، أقل درجة، أو درجتين، عندما خاضت حركة النهضة الإسلامية السباق الانتخابي أمام حركة نداء تونس، والله وحده أعلم بحجم المساحة التي سوف تتمدد عليها العدوى على أرض الجزائر، حين تصل إليها، وحين يأتي أوان الاستحقاق الانتخابي فيها... ولن يغير من فاعلية العدوى في شيء، أن يقال، إن الأحزاب والجبهات الإسلامية الجزائرية قد قررت التكتل في تحالف واحد، أو في تحالفين، وإنها سوف تعمل على الاستفادة من الخلافات الحادثة بين الأحزاب المدنية. لن يغير ذلك من فاعليتها في شيء، لأن هذا بالضبط ما اشتغل عليه إخوان حسن البنا بعد 25 يناير (كانون الثاني)، ولأن منطق عدم قدرة الإنسان على أن ينزل البحر ذاته مرتين، منطق تقول عنه التجربة، إنه صحيح إلى حد بعيد!
إنني أتابع تحالفات التيار في الجزائر التي تكاد تتبدل وتتغير مع كل صباح، وأتابع كلام بن حاج عن أنه يتمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية، في مواجهة محاولات إبعاده عن المشهد، وأتساءل عما إذا كان ذلك كله سيكون مجديًا مع الناخب بالقدر الذي يتوقعه المتحالفون، ويتوقعه بن حاج، أم إن تعاطف الناخبين العرب - والناخبون الجزائريون جزء منهم بالضرورة - لم يعد هو التعاطف الأول.
أختم بما بدأت به، وأخشى أن يذهب إسلاميو الجزائر إلى الحج، بالمعنى السياسي لا الديني طبعًا، بينما الحجاج في المنطقة من حولهم عائدون!