عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

... وماذا لو ألغت إسرائيل حل الدولتين؟

زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لواشنطن سبقها ورافقها كلام كثير عن إلغاء حل الدولتين، وعن مخاطر هذه الخطوة على فرص السلام وعلى الأوضاع في المنطقة. فليس سرًا أن اليمين الإسرائيلي المتطرف اعتبر دخول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض فرصة لدفن حل الدولتين، وللتوسع في سياسة الاستيطان، في ظل إدارة يرون أنها ستكون الأكثر تعاطفًا مع إسرائيل وسياساتها. كما أن نتنياهو جاء إلى واشنطن واثقا، كما قال للصحافيين، «من تطابق رؤية هذه الإدارة الأمور في المنطقة مع رؤية حكومته»، بما في ذلك إزاء موضوع حل الدولتين.
إدارة ترمب من جانبها استبقت محادثاتها أمس مع نتنياهو بتسريبات عن أنها لم تعد ملتزمة بحل الدولتين كإطار وحيد للتسوية، ولن تفرضه على إسرائيل، لكنها ملتزمة بالعمل من أجل تحقيق السلام، وتعتبر هذا الهدف من ضمن أولويات سياساتها في المنطقة، إلى جانب الحرب ضد الإرهاب. ترمب ذاته أكد رغبته في أن يكون الرئيس الذي يحقق السلام، قائلاً إنه يريد جمع الأطراف لاستئناف جهود التسوية المتوقفة.
إلغاء حل الدولتين يعتبر تخليًا عن ركن من أركان استراتيجية الإدارات الأميركية السابقة، خصوصًا منذ توقيع معاهدة أوسلو عام 1993، مثلما أنه يعتبر تجاوزًا لكل القرارات الدولية في شأن حل النزاع العربي - الإسرائيلي التي نصت صراحة على دولتين. صحيح أن حكومة نتنياهو تستغل الآن فرصة وجود رئيس مثل ترمب في البيت الأبيض ووجود حلفاء أقوياء لها في الدائرة المحيطة بالرئيس وفي الكونغرس. لكن الأهم من ذلك أنها تستغل الأوضاع السائدة في المنطقة التي دفعت بالقضية الفلسطينية إلى ذيل قائمة الاهتمامات.
بغض النظر عن الأسباب التي قادت إلى هذا الوضع، فإن السؤال المهم هو: ما الذي سيحدث جراء سيناريو إلغاء حل الدولتين؟
كثيرون حذروا إسرائيل من أن إقدامها على مثل هذه الخطوة سيؤجج الصراع وسيزيد من عزلتها الدولية، خصوصًا أن معظم دول العالم تعترف بالدولة الفلسطينية. كما أنها ستواجه معارضة قوية من أطراف كثيرة بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الذي فشل نتنياهو في إقناع أبرز دوله بمنطقه في سياسة التوسع الاستيطاني، أو في التخلي عن حل الدولتين. لكن الحقيقة أن هذا الأمر لن يردع الحكومة الإسرائيلية التي كثيرًا ما تجاهلت الرأي العام والقرارات الدولية، ونفذت سياساتها معتمدة على ثقتها بالدعم الأميركي المطلق، وعلى قناعتها بأن ردود الفعل الدولية والعربية لن تتجاوز بيانات الشجب والإدانة.
الأمر الذي ربما يقلق إسرائيل حقيقة هو ما يطرحه كثيرون داخلها وخارجها من أن إلغاء حل الدولتين سيضعها في مواجهة تحد كبير في كيفية التعامل مع الفلسطينيين ضمن دولة واحدة، بكل ما يعنيه ذلك في إطار ما يوصف بـ«القنبلة السكانية»، حين يصبح الفلسطينيون أغلبية، ويصبح النظام في إسرائيل نظام أقلية يهودية على غرار نظام التفرقة العنصرية سابقًا في جنوب أفريقيا أو في زيمبابوي (روديسيا سابقًا). وقتها ستواجه إسرائيل عزلة حقيقية وامتحانًا لوجودها أكبر من أي وقت مضى.
كثيرون داخل إسرائيل وخارجها قالوا إن على الدولة العبرية أن تختار أن تكون ديمقراطية أو أن تصبح نظام فصل عنصري حقيقيًا، أو بمعنى آخر أن تقبل بمساواة كاملة للفلسطينيين في الدولة الواحدة، أو أن تحكمهم كقوة احتلال وكنظام فصل عنصري. أصحاب هذا الرأي يرون أن إسرائيل ستكون الخاسرة في الحالتين، لأن محاولة «تذويب» الفلسطينيين في دولة إسرائيل ستنتهي بأن يصبحوا أكثرية حاكمة واليهود هم الأقلية. أما سيناريو الفصل العنصري فسوف ينتهي حتمًا بمثل ما انتهى إليه في جنوب أفريقيا، علمًا بأن إسرائيل جربت أن تكون سلطة الاحتلال المباشر وتعرف ثمن هذه السياسة.
فلسطينيًا قد تبدو الخيارات كلها صعبة ومريرة، فالوضع بشكله الحالي مع استمرار سياسة التوسع الاستيطاني لن يعني سوى القضاء التدريجي على كل مقومات الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والاستمرار. أما إلغاء حل الدولتين فسوف يعني العودة إلى حكم الاحتلال بغض النظر عن المسميات.
بعد أكثر من 23 عامًا على اتفاقية أوسلو يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة العودة إلى المربع الأول، وفي مواجهة أسئلة طرحها معارضو الاتفاقية آنذاك مثل إدوارد سعيد الذي رأى أنها توفر غطاء لإسرائيل للاستمرار في سياساتها، ولا تقدم للفلسطينيين سوى سلطة شكلية. فالحقيقة أن أوضاع الفلسطينيين تسوء ولا تتحسن، والسلطة الفلسطينية اليوم لا تملك صلاحيات كاملة، ولا تستطيع لجم التغول الإسرائيلي. وهي في كل الأحوال ليست سلطة واحدة مع التنازع والانقسام بينها وبين حماس في غزة.
في ظل الأوضاع الراهنة فإن إلغاء حل الدولتين قد لا يكون سوى تحصيل حاصل. المهم في تقديري أنه سيرفع الغطاء عن حقيقة كادت تطمس، وهي أن الفلسطينيين ما زالوا شعبًا تحت الاحتلال.