طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

ترمب... والفوضى الخلاقة!

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرر أن يبدأ عهده بما يمكن أن نسميه «الفوضى الخلاقة»، وبطريقة لم تحلم بها حتى وزيرة خارجية أميركا السابقة كوندوليزا رايس حين أطلقت هذا المصطلح عام 2005 مبشرة بشرق أوسط جديد. ترمب أضاف لمصطلح «الفوضى الخلاقة» بعدًا آخر جعله أبعد وأكبر من منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأ من أميركا نفسها، وعلى حدودها، حيث المكسيك، عابرًا المحيط ليضرب أوروبا ككل، ومنها إلى روسيا، ثم الشرق الأوسط، وصولاً إلى آسيا، وكل ذلك بجملة قرارات، وتصريحات، واتصالات، جعلت المشهد السياسي الدولي فعليًا في حالة فوضى خلاقة، حيث لا وضوح، ولا ضمانات، والجميع في حالة ترقب. خذ الروس، مثلاً، راقب كل تصريحاتهم، ستجد أن الروس يصرحون حول الموضوع الواحد عدة مرات في محاولة للوصول للإجابة الأفضل حتى يتسنى لهم فهم ما يريده ترمب، وبالتالي عدم إغضابه الآن، حدث ذلك في سوريا، وكذلك في أوكرانيا، وأيضًا حول العلاقات الأميركية - الروسية.
الأمر نفسه في الشرق الأوسط، حيث نلحظ التناقض الإيراني، مثلاً، في التعليق على تصريحات ترمب. حدث ذلك بين المرشد الإيراني الذي قال إن ترمب جعل الحياة أسهل للإيرانيين، حيث كشف عن «الفساد» الأميركي، بينما يقول وزير خارجية إيران: «أمامنا أيام صعبة». والغريب أن بشار الأسد يرى تصريحات ترمب عن أن الأولوية في سوريا هي محاربة الإرهاب «واعدة»، بينما تصريحات ترمب أيضًا ترى أن إيران دولة راعية للإرهاب بالمنطقة! وبالعودة لأوروبا؛ يظهر جليًا حجم القلق، والحذر، والتناقض، في التعامل مع مواقف الرئيس ترمب وتصريحاته، سواء في بريطانيا، وألمانيا، وكذلك فرنسا. والأمر نفسه في منطقتنا، وحتى بين حلفاء واشنطن، فالجميع حذر، ولا يريد التسرع، وإنما الترقب، والصبر، حتى تظهر «مقدرة» ترمب الحقيقية، و«رؤيته»، ومدى تحرره من المعارك الداخلية في أميركا.
حسنًا! ما دلالات كل ما سبق؟ الإجابة هنا من شقين؛ فإما أننا أمام رجل يريد خلط الأوراق ليعلن عن وجوده، ويريد إشعار الجميع بأنه القوة الحقيقية، وأن أميركا تستعيد دورها، وتمحو مرحلة أوباما، كما أن «أميركا ترمب» لا تمثل قوة جورج بوش الابن العمياء، وإنما هي قوة تقديم الحلول، والوصول لتسويات عقلانية، وبراغماتية صرفة، أو أننا أمام رجل في سدة حكم أقوى دولة في العالم لكنه لا يملك رؤية حقيقية لتطبيق ما يقول، لكن لا أحد متأكد من ذلك. الواضح أنه رجل قوي، ومستعد لخوض عدة معارك، وعلى عدة جبهات.
وأيًا كانت الإجابة، فإن الواقع يقول إن ترمب نجح، وفي أول أسبوع، في خلط الأوراق، وبث حالة من الهستيريا في المجتمع الدولي، وجعل الجميع في حالة ترقب. وإذا كان هذا هو هدفه ليمهد الأرضية لمرحلة جديدة، فإنه قد نجح، لكن هل يستطيع إنجاز ما يريد؟ تلك قصة أخرى.