خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من أنفاس الشتات الفلسطيني

لا يكاد بلد من البلدان يخلو من آثار الشتات الفلسطيني. تجد شعراءهم وأدباءهم ومفكريهم في كل مكان. ولا تلبث حتى تلتقي بنفر منهم. أصبحت بلدان الجزيرة العربية ملاذًا لكثيرين منهم، يصدق ذلك بصورة خاصة على المملكة العربية السعودية، لا سيما بالنسبة لمن تملكته المشاعر الإسلامية في أفئدته وانشغل بالدعوة. كان من هؤلاء الدكتور عدنان علي رضا النحوي. طاف في شتى البلدان العربية حتى استقر به الطواف في المملكة. وكرس شعره وقلمه لخدمة الإسلام. أقام هناك دارًا للنشر.
نشر عددًا من الدواوين والأبحاث الفكرية، وكان من ذلك أربعة دواوين «جراح على الدرب» و«موكب النور» و«الأرض المباركة» و«مهرجان القصيد». ضم الديوان الأخير عددًا من القصائد الإخوانية، مما شاع تبادله بين الشعراء الفلسطينيين. كان من أعز خلانه الدكتور هارون هاشم رشيد، وصديقي وزميلي في الإذاعة البريطانية سعيد العيسى... راح الدكتور هارون يناغي صديقه اليافاوي، فيقول:
يمر بخاطري الاسم الفريد
فأسأل: كيف حالك يا سعيد؟
ويافا في قيود الأسر ثكلى
يحاصرها ويهدمها اليهود
فلا الدور التي شهدت صبانا
ولا الساحات تغمرها الورود
ولا النسمات عند الفجر سكرى
بنفح البرتقال ولا النجود
ولا التكبير يشرق في سماها
ويزهو في مساجدها السجود
ولا الأجراس دقات تنادي
فتندفع المواكب والحشود
قرأ الدكتور النحوي هذه الكلمات فأصابت صدى في نفسه، فتواصل وإياه بقصيدة من الوزن والقافية ذاتهما، طرزها بمقتبسات من القصيدة الأصلية:
أخي هارون حقك أن تنادي
نداؤك لو علمت هوى شريد
جميل أن تكون أخا وفاء
وتسأل: (كيف حالك يا سعيد؟)
وحقك أن تغني أرض يافا
وتسحرك النسائم والورود
وحقك أن تعود لذكريات
تموج بها طفولات وغيد
وأزهار تفوح على رباها
ونفح البرتقال أو النجود
وقد أثارت هذه المناجاة الإخوانية مشاعر الشاعر الآخر، فانطلق إلى استئناف الحوار قائلاً:
سعدت وشاعري «النحوي» يجود
عليّ بشعره وهو المجيد
يرد عليّ إذ شعري يغني
بلادي، أو يهيم بها القصيد
يطالبني أخي صدقًا وحبًا
بإيماني... وإيماني وطيد
ويدري أنني ما حِدْت يومًا
عن الإيمان أو مال الرشيدُ
وتسألني أأجعل من ترابي
قداسات؟ أجل... وبه أشيد
ترابي فيه آبائي وقومي
وفي طياته سكن الجدود
ترابي منه أطلقت السرايا
إلى الدنيا وكنت بها أسود
وعلمنا الألى سبقوا خطانا
بأن الدين تحميه الجنود