زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

النفس عند الفراعنة

فرق المصريون القدماء بين النفس (كا) والروح (با)، وقد صور الفراعنة النفس أو الـ(كا) على شكل ذراعين مرفوعين إلى أعلى فوق حامل مقدس، وأصبحت «كا» كل إنسان تعبر عن نفسه وطاقته المادية، فهي تترك الجسد عند وفاته لتأخذ معها كل صفاتها، وعندما يحيا من جديد تعود إليه بكل طاقتها. وقد اختلفت الآراء حول تحديد ماهية الـ«كا»، فأشار البعض إلى أن الـ«كا» هي الروح الحارسة للكيان الشخصي يلجأ إليها المتوفى في العالم الآخر فيحيا بها وفي رعايتها. وأشار آخرون إلى أن الـ«كا» هي روح علوية سرت من الإله الخالق إلى الفراعنة والناس، وظل الفراعنة أكثر المخلوقات نصيبًا منها في الدنيا والآخرة. بينما اعتبرها البعض من حيث الوظيفة تمثل قوة حيوية خلاقة أو حارسة؛ أو قوة ذهنية ميتافيزيقية، فهي ذات طبيعة مزدوجة كما أشار البعض. وهناك نظرية أخرى هي أن الـ«كا» هي الخصائص المعنوية لكل إنسان مثل مزاجه وحظه ومكانته وهيبته وحضوره، فضلاً عن تعبيرها عن روحه وشخصيته. وقيل أيضًا إن قوة الـ«كا» تنصب على القدرة الجنسية. ورأي آخر يرى أن الـ«كا» ربما هي مشيمة الطفل في بعض العقائد البدائية. أما العالم جاستون ماسبيرو فاعتقد أن الـ«كا» هي القرين. وقد أشار العالم الأثري الكبير الراحل عبد العزيز صالح إلى أن الـ«كا» أقرب إلى النفس في تعبيرها عن الشخص ذاته واقترانها برغباته وغرائزها مثل القول «نفسي أشرب»؛ والقول «نفسي أنام» وهكذا. ثم اقترانها بالوفاة ففي نصائح بتاح حتب يتحدث عن الـ«كا» في دلالة عن النفس ونفسية الشخص الحي في نصائحه لابنه «لا تتبطر وقت متعتك. فكريه على الـ(كا) - أي على النفس - إفساد وقت متعتها»؛ و«أن الـ(كا) هي الـ(كا) الحقيقية التي يطمئن إليها» بمعني أن النفسية الطيبة هي التي يطمئن الناس إليها.
وفي عصر الرعامسة (الأسرتين 19 و20) حرص الطلبة على أن يختموا كراساتهم بإهداءات يوجهونها إلى «كا» مدرسهم أي إلى نفس مدرسهم وشخصه مع وصفه بصفات تشير إلى أنه لا يزال على قيد الحياة.
وقد اقترنت الـ«كا» بالأسماء المصرية القديمة مثل «كاوعب» أي النفس الطاهرة، و«كامنخ» أي النفس الفاضلة، و«مروروكا» أي محبوب النفس؛ و(شبسكاف) أي جلت نفسه وبمعنى الطاقة أو الفاعلية. وقد تكون الـ«كا» الموصوفة في هذه الأسماء هي «كا» صاحب الاسم؛ أو «كا» أبيه الذي سماه ورأى فيه صورة من نفسه تمنى حياتها وتجددها
أما عن الـ«كا» الشخصية ودورها في حياة الإنسان وآخرته، فتشير النصوص المصرية إلى أن الإنسان يتلقى «كاهه» حين مولده بأمر من الإله رع أو الإله جب بمساعدة الربة سخمت ربة الولادة، وعندما تفارقه «كاهه» يفقد حياته، يفقد طاقته ونفسه وأنه يسعى بعد ذلك إلى «كاهه» عند انتقاله إلى العالم الآخر فيتجه عن طريقها إلى السماء، ويحصل بها على غذائه وكانوا يقدمون القرابين والهدايا إلى موتاهم، وقد أطلقوا على المقبرة اسم «بيت الكا» ويقصدون بالـ«كا» في كل هذه الأحوال المتوفى نفسه.