زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الآثار وعجائب البشر!

فوجئت به أمامي داخل حجرة المكتب، وكنت قد خرجت لتوي من دورة المياه فاعتقدت أن مساعدي قد فتح له باب المكتب! ووجدته شخصًا هادئًا ومتزنًا ومهندمًا في هيئته وملبسه. عرفني بنفسه واعتذر لحضوره المفاجئ لمقابلتي دون سابق موعد؛ وبدأ يقص عليّ حكايته، وهي تتلخص في أنه «مخاوي»، بمعنى متحد مع أحد الجان الخيرين وليس الجان الشرير! المهم أن قرينه الجني طلب منه أن يأتي إلى مكتبي لكي يدلني على مكان مقبرة الملكة الجميلة نفرتيتي؟! وكما تعرفون فإن قبر نفرتيتي لم يعثر عليه إلى الآن وهي زوجة أخناتون - أحد أشهر الملوك الفراعنة على الإطلاق وصاحب رسالة التوحيد - وهناك من العلماء والباحثين في علوم المصريات من يرى أن نفرتيتي قد ماتت بمدينة «أخت أتون»، أي تل العمارنة الحالية بمصر الوسطى؛ ودفنت بالمقبرة الملكية هناك.
ولأن هذه المقبرة قد نهبت تمامًا بعد أن عادت العاصمة بوفاة أخناتون إلى طيبة - الأقصر حاليًا - فإن كل ما كان بالمقبرة قد فقد وللأبد. وفى الحقيقة فإن هذا التفسير قد يكون مقبولاً في ظل الظروف التي أحاطت بنهاية فترة العمارنة والعودة إلى ما قبل عصر أخناتون. المهم أن مسألة العثور على القبور غير المعلومة للفراعنة والملكات لا تزال تسيطر على عقول المكتشفين، خصوصًا بعد الكشف المذهل عن مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ أمون.
نعود إلى صاحبنا وقرينه الجني؛ وقد بادرته بالسؤال عن السبب الذي جعله يأتي هو فقط إلى مكتبي، ولماذا لم يحضر معه الجني. ورغم نبرة السخرية التي كانت واضحة في كلامي معه؛ وجدته يجيب بأن قرينه طلب منه أن يأتي بمفرده أولاً.
وهنا بدرت في ذهني فكرة، وهي لماذا لا أقوم باستضافة هذا الشخص ومعه قرينه الجني (حسب كلامه هو) في البرنامج التلفزيوني الذي أقدمه بعنوان «كاشف الأسرار»؟ وبالفعل نسيت موضوع نفرتيتي ومقبرتها وعرضت عليه الفكرة ووجدته صامتًا ولم يرد وكان من الواضح عليه علامات الأسى لأنني لم أتحمس لموضوع المقبرة المخفية التي يعرف هو والجني طريقها. وعندما طلبت من الرجل رقم هاتفه لكي أتصل به وأحدد معه ومخرج البرنامج موعدًا للقاء أعطاه لي وقمت بتسجيله بنفسي على هاتفي، بل قمت بطلبه لكي يعرف هو رقمي. قام الرجل بهدوء وانصرف من مكتبي على وعد بلقاء آخر أمام الكاميرات.
وبالفعل قابلت مخرج البرنامج وحكيت له ما حدث مع صاحبنا؛ وتحمس المخرج لعمل هذه الحلقة التي قال إنها ستكون مثيرة للغاية. وأخرجت هاتفي وبدأت البحث عن الرجل ورقم تليفونه، وأسقط في يدي أن الاسم والرقم لا وجود لهما على الهاتف إطلاقًا كما لو أنني لم أسجلهما؛ بل ولم أتصل بالرقم من قبل؟! منيت نفسي أن يكون لدى مساعدي بالمكتب رقم تليفون الرجل وبالفعل سألت مساعدي ووصفت له الرجل الذي ظل بمكتبي لمدة قاربت النصف ساعة، وهنا كانت المفاجأة الكبرى، مساعدي لم يرَ هذا الرجل! ولم يفتح لأحد الباب في ذلك اليوم؟ ولا يذكر دخول أحد مكتبي في ذلك اليوم؟ وعندما سألت مساعدي عن معنى ذلك؟ وجدته يقول: «يبدو أن المقابلة كانت مع الجني نفسه يا دكتور!».