ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

التقرير الصادر بشأن التدخل الروسي لا يكفي

تشير مزاعم دائرة أجهزة الاستخبارات إلى أن روسيا تدخلت بشكل خفي في انتخابات 2016، وتحتاج بلادنا إلى معرفة المزيد، حيث تجب متابعة هذا الاتهام من خلال فتح تحقيق مستقل يستمر حتى بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة رسميًا في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي.
ينبغي أن يلتزم الكونغرس حاليًا بفتح هذا التحقيق الذي يشارك فيه الحزبان. وإذا كان الهجوم السياسي الروسي يمثل انتهاكًا محتملاً للقوانين الأميركية، فينبغي على كل من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة العدل، فتح تحقيق قانوني رسمي في هذا الأمر. من الممكن أن يتولى قيادة تحقيق وزارة العدل مستشار مستقل، أو مدعٍ عام أميركي ذو خبرة، مثل بريت بهارارا ممثل المنطقة الجنوبية لنيويورك، الذي قال ترامب بالفعل إنه سيعيد تعيينه.
جاءت المزاعم، التي تشير إلى قيام روسيا بعمليات قرصنة إلكترونية، في إطار تقرير غير سري أصدره جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية، مؤخرًا نيابة عن الاستخبارات المركزية الأميركية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الأمن القومي. وتضمن التقرير اتهامات، لكن دون ذكر ما يدعمها من أدلة تفصيلية، وردت في تقارير أخرى سرية. بعبارة أخرى يمكن القول إنه تم نشر هذه المزاعم، لكن دون نشر الدليل والبرهان على الساحة العامة.
يمثل هذا خليطًا سيئًا وقد يكون سامًا، خاصة عندما ينتقد ترامب التحقيق باعتباره «ملاحقة سياسية»، ويقول رينس بريبوس، الذي اختاره ترامب لرئاسة موظفي البيت الأبيض، إن تقرير كلابر «يحركه دافع سياسي واضح هو تشويه» فوز ترامب.
يجب إبعاد هذا الزعم بحدوث تدخل خارجي عن السياسة بطريقة ما، وإلا سيكون مثيرًا للاضطرابات. كذلك من المحتمل أن يسيء منتقدو ترامب، أو ترامب ذاته، استغلاله. لذا أفضل طريقة لحماية مبدأ سيادة القانون، والتأكيد على أن لا أحد يعلو على القانون، هي فتح تحقيق مستقل.
وأشار تقرير كلابر إلى ما زعمه رؤساء أجهزة الاستخبارات: «نحن نرى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصدر أوامر بتنظيم حملة تأثير عام 2016 تستهدف الانتخابات الرئاسية الأميركية... كذلك بحسب تقييمنا تطلع بوتين والحكومة الروسية إلى تعزيز حظوظ وفرص فوز الرئيس المنتخب قدر الإمكان؛ من خلال تشويه سمعة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ووضعها في موقف يصورها بشكل سلبي مقارنة بترامب». كيف ينظم وينفذ بوتين هذه الحملة القائمة على التلاعب؟ ما مصدر الأموال التي تم استخدامها في تنفيذها؟ هل كان هناك أميركيون متورطون في هذا الأمر؟ هل تقابل أي من الأميركيين بشكل غير لائق مع عملاء روس في الولايات المتحدة أو خارجها؟ هل تعتقد روسيا أنها تتمتع بنفوذ على ترامب، سواء ماليًا أو بشكل آخر؟ هل لا يزال فلول الشبكة الروسية نشطين؟
لم يذكر التقرير أيًا من التفاصيل الخاصة بهذه الحملة. ومن الممكن تفهم هذا الأمر من منطلق حماية المصادر، والوسائل المستخدمة، لكن يظل هذا محبطًا لمن يريد الحقائق الواضحة من أجل مواجهة بيئة «ما بعد الحقيقة» التي يكون الناس فيها متشككين من أي تصريح يفتقر إلى دليل أو برهان.
توجد أعلى كل صفحة من صفحات تقرير كلابر عبارة للتذكير مفادها: «الاستنتاجات مطابقة لتلك الاستنتاجات الواردة في التقييم السري، لكن لا تتضمن هذه النسخة ما يدعم من معلومات كاملة خاصة بالعناصر الأساسية لحملة التأثير».
وظهر تلميح إلى تحقيق سري في برنامج «واجه الصحافة» على قناة «إن بي سي» يوم الأحد الماضي. وضغط تشاك تود على ليندسي غراهام، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا، متسائلاً عما إذا كان هناك «تحقيقات يتم إجراؤها بالفعل لمحاولة معرفة ما إذا كان هناك تنسيق بين الحملات وموسكو أم لا». وأجاب غراهام بأنه على مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأجهزة استخباراتية أخرى، التوصل إلى حقيقة كل ما فعلته روسيا في انتخابات 2016.
لا أحد ينتظر الحصول على المزيد من تحقيق غير متحيز ودقيق أكثر من ترامب، فمن شأن إجراء تحقيق شامل أن يمنح رئاسته شرعية راسخة يرغب فيها كل منتصر. وكذلك من شأن مثل هذا التحقيق أن يبدد القلق والشكوك في وجود أي شبهات تحيط بتحركاته باتجاه تقارب مع روسيا.
ويعد ظهور بعض التسريبات أمرًا حتميًا بالنظر إلى الإفادة التي سيتم تقديمها إلى أعضاء الكونغرس بشأن النسخة السرية من التقرير. ومن المتوقع أن يقدم ذلك المزيد من المعلومات للشعب، وهو أمر جيد، لكنه سيؤدي أيضًا إلى المزيد من الشكاوى من تسريبات حزبية وهو أمر غير جيد. وقد تعكر التقارير الإخبارية غير الكاملة أو المتحيزة صفو المياه، بدلاً من أن تعزز الوضوح.
ويبدو أن ترامب يظن أنه قادر على دفن التحقيق من خلال التعامل معه كفعل من أفعال خصومه السياسيين، وما يحب أن يسميه «الإعلام المخادع». وقد ينجح في ذلك، خاصة في ظل غياب تحقيق رسمي مدعوم من قادة الكونغرس من الحزبين، والحماية التي يقدمها نظامنا القضائي.
ومن شأن مثل هذا التحقيق أن يجمع شتات الدولة المنقسمة على ذاتها. وبمجرد بدء فتح تحقيق، سيكون من الصعب القيام بأي محاولة لتقويضه، أو تغيير وجهته. وإذا كانت النتائج لصالح ترامب، سوف يتم حل المسائل وتسوية المشكلات التي قد تلقي بظلالها على رئاسته. وإذا لم يتم ذلك، فستستمر التكهنات، وكذلك ممارسات الغش والاحتيال السياسي؛ وهو أمر سيؤذي الجميع.

* خدمة «واشنطن بوست»