طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

عادت أم كم تقاضت؟

تصورت أن الصحافة ستحتفي بعودة المطربة الكبيرة نجاة لساحة الغناء بكلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وتلحين الموسيقار السعودي طلال في «كل الكلام»، اعتقدت أن نجاة ستحيل مؤشر الإعلام إلى تحليل لقيمة الصوت الذي غاب، ولكن ما هالني هو «الميديا» التي انشغلت بقضية أخرى تمامًا وهي كم تقاضت؟
أحد كبار الملحنين قال إن نجاة تمر بظرف خاص دفعها للغناء مقابل جاذبية الأجر، كم نسينا أن نجاة بكل هذا التاريخ الحافل والممتد، حيث التقت عشرات الشخصيات الفنية والإعلامية والسياسية الكبيرة، لو أرادت أن تحكي لأي فضائية عن جانب من حياتها، ستتقاضى عشرة أضعاف أي رقم من الممكن أن تحصل عليه، لو فكرت في العودة للغناء، عادت نجاة للساحة، لأنها كان ينبغي لها حقيقة ألا تتوقف 16 عامًا.
يقولون إنه النهم لدى القارئ، والصحافة تُشبع تطلعاته وتجيب عن أسئلته، أتصور أننا نخلق الأسئلة وبعد ذلك نبحث لها عن إجابات، الوسط الفني بالمناسبة ليس بريئًا من ترويج تلك الأسئلة الشائكة.
هل صرنا في عالم مادي لا يعرف سوى الرقم الذي تتقاضاه وبناء عليه يحدد القيمة؟
أحلنا الفن إلى صفقات، تجد أن الخبر الأول والأهم في الفضائيات، هل محمد رمضان صار يتقاضى أجرًا أعلى من عادل إمام؟ لا أحد يعقد مقارنة فنية بين نجمين بينهما فارق زمني يصل إلى نصف قرن، الحقيقة أن بعض النجوم هم الذين يشعلون تلك المقارنات، عادل كان هو أكثر نجم عربي منذ ثمانينات القرن الماضي، يتناول دائمًا الأرقام، وذلك حتى يؤكد تفوقه على نجوم جيله الراحلين المتميزين أحمد زكي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز، فكان ينبغي أن يمر زمن ويتجرع من نفس الكأس بيد محمد رمضان.
قد تجد شيئًا من هذا بين عمرو دياب وتامر حسني، حيث أصبح التراشق الرقمي هو سيد الموقف، أو تتباهى هيفاء وهبي بأنها تحصل على أجر أكبر من إليسا في برامج الفضائيات وغيرها، ولكن عندما نصبح بصدد فنانة بحجم نجاة، أرى أنه من الظلم البين أن يُطل علينا حديث الأرقام.
حكى لي الموسيقار كمال الطويل أنه في الستينات من القرن الماضي، كان قد تم تكليفه من قبل الإذاعة والتلفزيون في دولة الكويت بإنتاج أغانٍ لتصبح رصيدًا موسيقيًا لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون التي كانت وقتها وليدة، وكان من بين مهام الطويل التعاقد مع زملائه المطربين والمطربات، والاتفاق على كل التفاصيل المادية، وعندما حان وقت التوقيع مع أم كلثوم، كان الدرس الثاني، وهى أنها قالت له لا يجوز لفنان أن يدخل في اتفاق مادي مع فنان، هذا دور الشؤون المالية، قلت لكم إن هذا كان الدرس الثاني للطويل، وإليكم الأول، في أعقاب حرب 56 لحن الطويل لأم كلثوم نشيد «والله زمان يا سلاحي» ورفض أن يتقاضى أجرًا، فقررت أم كلثوم بطريقة غير مباشرة مكافأته بعد النجاح الطاغي للنشيد الذي صار بعدها هو نشيد مصر الوطني، فقالت له يا كمال جاءت لي رسالة بالخطأ من معجبة بك على عنواني ومنحته الجواب، بعد أن كتبت عليه اسمًا وهميًا، وطلبت منه أن يفتحه بعد العودة للمنزل، واكتشف الطويل رسالة رقيقة من أم كلثوم وشيكًا بمائة جنيه، وما أدراكم وقتها كم كانت تساوي.
حديث المال لا يليق أن نتناول به قيثارة الجمال نجاة، انشغلنا بإجابة سؤال كم تقاضت ولم نبحث عن الإجابة الأهم، كم أسعدتنا نجاة بعودتها؟!