خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

يا تين يا توت

نحن الآن في موسم الكريسماس في العالم الغربي وكثير من الديار المسيحية الأخرى التي تعتبر يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) اليوم الذي ولد فيه السيد المسيح عليه السلام، ذلك الحدث الذي أفرد له القرآن الكريم قطعة من أروع ما ورد فيه. ولهذا اليوم شتى الأبعاد؛ هناك البعد التجاري الذي يغري القوم بتبادل الهدايا وبيعها وشرائها فتعج الأسواق بالجمهور، وسعاة البريد بحمل الهدايا وبطاقات المعايدة، أطنان منها. وهناك البعد الروحي الذي يتمثل بذهاب المسيحيين إلى كنائسهم للتعبد وسماع الوعظ. وهناك الباب الخيري، وهو التصدق على المحتاجين في هذه المناسبة والتبرع للمؤسسات الخيرية مرضاة لله. وهناك أيضًا البعد السياسي، ففي هذه المناسبة يتوقف القتال ويسود السلام جبهات الحرب. إنه من الأيام الحرم عند المسيحيين. تسكت المدافع ويعم الهدوء والسلام. وفي كثير من الأحيان يستغل المتخاصمون هذه الفرصة لبدء الحوار والسعي لوضع حد للنزاع.
لكن موسم الكريسماس هو موسم المودة والمحبة والحب الصافي أيضًا. كثيرًا ما ارتبطت شتى الحكايات العاطفية بأيام هذا الموسم. وطالما كان الأمر كذلك، فهو مناسبة للأدبيات العاطفية والفنية، الأفلام الغرامية وقصائد السلام والحب. خطر لي في هذا الإطار أن أتذكر قصيدة حافظ جميل تشببًا بزميلة جامعية في الجامعة الأميركية ببيروت، ليلى تين. فلنستعد تلك الذكريات، أيام كان لبنان وبلاد الشام بلاد السلام والهيام والمحبة. وهي قصيدة مشهورة تنازع على كتابتها شتى الشعراء، ولكننا في العراق نميل إلى إسنادها لحافظ جميل. وكان ناظم الغزالي ممن غنوا هذه الأبيات:

يا تين يا توت يا رمان
يا تين يا توت يا رمان يا عنبُ
يا خَير ما أجْنَت الأغصان والكُثـُبُ
يا مشتهَى كلِّ نفسٍ مسَّها السَّغَب
يـا بُـرْءَ كلِّ فؤادٍ شبَّـهُ الوَصَبُ
***
يا تينُ سَقيًا لِزاهي فَرعك الخَضِلِ
يـا وارفَ الظلِّ بينَ الجِـيدِ والمُقَلِ
هفَـا لكَ التوتُ فاغمُر فـاهُ بالقُبَـلِ
فالكَـرْمُ نشوانُ والرمـَّانُ في شُغُـلِ
***
يا تين يا ليت صرح التين يجمعنا
يا توت يا ليت ظل التوت مضجعنا
وأنت ليتك يا رمان ترضعنا
والكرم يا تين بنت الكرم تصرعنا
يا تينُ زِدْني على الأكدار أكدارا
ولا تَـزدْني تَعِـلاّتٍ وأعـذارا
هَبْـني هَزارًا وهَبْ خدَّيْـكَ نُوَّارا
فهل يَضِيرُكَ طيرٌ شَمَّ أزهارا
***
نـاداكِ بِـالتـِّين يـا لَيـْلَى مُنـادِيـكِ
والتينُ بَعضُ جَنَى الأَطياب مِن فِيكِ
لو كان يُجْدي الفِدا في عَطْفِ أهْليكِ
لَرُحْتُ بـالرُّوحِ أفـْديـهم وأَفـْديـكِ
***
كتَمْتُ حُبَّكِ عن أهلي ولو عرَفوا
شـدَدْتُ رَحْـلي إلى بغداد لا أقِفُ
هَذِي دُمُوعي على الخدَّيْنِ تنذرِفُ
يا مُنْية القَلْبِ هل وَصْلٌ وأنصرِفُ