عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

مرحلة تتطلب الاستعداد من العرب

يبدو أن على العرب أن يستعدوا لتبعات كبيرة ستنجم عن مرحلة متوقعة من التغيرات في العلاقات الأميركية - الروسية في وقت تموج المنطقة بالاضطرابات والصراعات الإقليمية والحروب. فالعلاقات بين القطبين مرشحة إما إلى تقارب وثيق إذا سارت الأمور وفق ما يشتهي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أو إلى توتر شديد يضعها على حديد ساخن إذا أثبتت التحقيقات التي فتحت في واشنطن أن روسيا تدخلت للتأثير في نتائج الانتخابات الأميركية. وفي الحالتين ستكون هناك تداعيات كبيرة على مسرح السياسة الدولية، والمنطقة العربية.
ترامب يبدو حريصًا على تعاون مع روسيا وظل يرسل كثيرا من الإشارات في هذا الاتجاه، كما لم يخف إعجابه بشخصية فلاديمير بوتين، وبجوانب من سياساته. وحتى عندما واجه انتقادات متزايدة لمغازلته الرئيس الروسي، لم يتراجع ترامب عن موقفه الداعي لتحسين العلاقات، قائلاً إن ذلك سيكون أمرًا جيدًا يجب ألا يرفضه أحد.
وعندما أعلن الرئيس المنتخب قبل يومين عن ترشيح ريكس تيلرسون، رئيس شركة إكسون موبيل النفطية العملاقة، لمنصب وزير الخارجية في إدارته المقبلة، رأى كثيرون في هذا الترشيح مؤشرًا آخر على التوجه للتقارب بين واشنطن وموسكو في ظل الإدارة المقبلة. ذلك أن تيلرسون يتمتع بعلاقات ممتازة في روسيا وسبق لبوتين أن منحه في عام 2013 وسام الصداقة الروسي تقديرًا لجهوده في مجال التعاون في مجال الطاقة. كما أن الرجل يعتبر من أشد المتحمسين لإنهاء العقوبات المفروضة على روسيا، ونادى بذلك علنًا مرات كثيرة.
في إعلانه لترشيح تيلرسون، قال ترامب إن الرجل يعد «أحد أكبر قادة الأعمال في العالم، وسيساعد في تغيير سنوات من السياسة الخارجية الخاطئة والأفعال التي أضعفت أميركا ومكانتها». هذا الكلام فسر على أنه إشارة مؤكدة إلى أن الإدارة الأميركية المقبلة ستتجه نحو ترميم العلاقات مع روسيا، بل وتحقيق تقارب معها، الأمر الذي ستكون له تبعاته على علاقاتها وتحالفاتها الدولية التقليدية.
مجلة «أتلانتيك» الأميركية نشرت موضوعًا عن تيلرسون اعتمدت فيه على مراجعة كل خطاباته ومقابلاته الصحافية وتصريحاته المنشورة على موقع شركة إكسون موبيل أو في مواقع أخرى على مدى الخمس سنوات الماضية، خلصت فيه إلى أنه يختلف في آرائه عن ترامب إزاء عدد من القضايا من اتفاقيات التجارة الحرة إلى أزمة المناخ، لكنهما يلتقيان في الرغبة في علاقات تعاون مع روسيا. من هذا المنطلق، فإن ترامب وتيلرسون قد يتجهان لرفع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الأزمة مع أوكرانيا، لفتح المجال أمام علاقات استثمارية وتعاون سياسي واسع.
ترامب سيواجه بلا شك معارضة داخلية من المتشككين في روسيا بوتين، خصوصًا في الوقت الذي قالت فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية إن هناك أدلة قوية تشير إلى أن روسيا تدخلت في الانتخابات الأميركية الأخيرة، من خلال عمليات القرصنة الإلكترونية، وتسريب إيميلات نشرها موقع ويكيليكس وأضرت بحملة هيلاري كلينتون. فواشنطن تنتظر الآن نتائج التحقيق الذي فتحته الإدارة الأميركية، التي يفترض أن ترفع إلى باراك أوباما قبل انتهاء ولايته. فعلى نتائج هذا التقرير تتوقف كثير من الأمور بالنسبة لترامب وللعلاقات الأميركية - الروسية. فمثل هذا التدخل سيعتبر اعتداء على الديمقراطية والمؤسسات الأميركية، وسيقود العلاقات بين البلدين إلى منحدر خطير.
ترامب واجه الأمر حتى الآن باعتباره محاولة للنيل منه ومن فوزه الانتخابي الصاعق، بل سخر علنًا من أجهزة الاستخبارات الأميركية مشككًا في كفاءتها وتقديراتها، ليضيف بذلك توترا إلى التوتر الذي أحدثه قبل ذلك مع هذه الأجهزة. فقد سبق أن تعرض لانتقادات واسعة لامتناعه عن حضور معظم جلسات التنوير التي تقدم فيها الاستخبارات تقريرًا سريًا يوميًا، وعندما سئل في مقابلة صحافية عن سبب إحجامه قال إنه لا يحتاجها «لأنني شخص ذكي».
في كل الأحوال فإن الأمر المؤكد هو أن العلاقات الأميركية - الروسية مقبلة على مرحلة من التغيرات الكبرى، وعلى العرب أن يستعدوا لكل السيناريوهات. فالعلاقات إذا تحسنت أو ساءت بين القطبين الدوليين، فإن الأمر ستكون له تبعاته خصوصًا في ظل الاضطرابات والحروب والصراع الإقليمي المحتدم. وليس عبثًا أن كثيرا من الدول، من أوروبا إلى آسيا، تشعر اليوم بالقلق من المرحلة المقبلة في العلاقات الدولية. فالبوادر التي تلوح في الأفق تنذر بكثير من المخاطر، والتحولات في الاستراتيجيات والعلاقات، والاضطرابات. والعرب ربما يكونون أكثر من غيرهم عرضة لآثار هذه التغيرات. فروسيا لها الآن وجودها وقواعدها وحلفاؤها في المنطقة، كما أنها بدأت «تفرد عضلاتها» لاستعادة مكانتها، وأي تأثير سلبًا أو إيجابًا في علاقاتها مع واشنطن ربما ينعكس أولاً في العالم العربي قبل أي مكان آخر، وهو ما يحتم على المعنيين التحسب وبحث الخيارات والبدائل المحتملة لمواجهة وضع معقد ورئيس أميركي يزيد الصورة تعقيدًا.