كاثلين باركر
كاتبة أميركية
TT

الخاسر الأكبر في انتخابات 2016

من بين جميع الخاسرين في موسم السخط هذا، يبقى التيار الرئيسي من وسائل الإعلام على رأس قائمة الخاسرين.
في الواقع، لا أطرح هذا القول ببساطة، وإنما يعتريني خوف شديد حيال أن يسفر فقدان الثقة بالصحافة نهاية الأمر عن إلحاق أضرار بالدولة تتجاوز ما قد يأمله أي عدو خارجي.
وتبعًا لاستطلاع رأي أجراه «مركز بيو للأبحاث»، فإن 18 في المائة فقط من الأميركيين يثقون بالأخبار الوطنية و22 في المائة فقط يثقون بوسائل الإعلام المحلية. ورغم ذلك، فإن ثلاثة أرباع الأميركيين يعتقدون أن وسائل الإعلام تُسهم في ضمان تصرف السياسيين على النحو اللائق، وإن كانت النسبة ذاتها تقريبًا تعتقد أن وسائل الإعلام الإخبارية متحيزة في تغطيتها.
ومن غير المثير للدهشة أن نجد هذا الاعتقاد سائدًا في أوساط الجمهوريين أكثر عن الديمقراطيين. وجاءت وسائل الإعلام الجمهورية ذات الطابع السياسي المحافظ لتقنع جماهيرها بأن وسائل الإعلام هي العدو، لتزيد الوضع سوءًا. وعلى ما يبدو، فقد نسينا أن الهدف من وراء أية صحيفة، مثلما ذكر فينلي بيتر دون، صحافي «شيكاغو إيفيننغ بوست» في مقال له عام 1983، تعزية المعذبين وتعذيب المطمئنين.
ويوحي ما سبق أن ثمة أوقات عصيبة في انتظار دونالد ترامب.
ومع ذلك، فإن غياب الثقة بالصحافة ليس بالأمر الهين الذي يمكن الاستخفاف به، فما الذي يمكن أن يحدث للديمقراطية عندما يحاول جمهور لا يحظى بالمعرفة الكافية أو الصحيحة اتخاذ قرارات صائبة؟ الإجابة البسيطة والمرعبة: تفشل الديمقراطية.
ويعود الفضل الأكبر وراء وصولنا إلى هذه النقطة الخطرة إلى الثورة الرقمية، فحتى وقت قريب نسبيًا، كان غالبية الأفراد يعتمدون على عدد محدود من المصادر الإخبارية الموثوق بها، مما وفر أساسا لما تجري الإشارة إليه اليوم باعتبارها «معرفة مشتركة». كما تشاركت الأمة بوجه عام في مجموعة من القيم المشتركة.
أما اليوم، فتتوفر بطبيعة الحال الآلاف من مصادر الأخبار - بل الملايين، إذا ما احتسبنا شبكات التواصل الاجتماعي. والآن، أصبح باستطاعة أي فرد اختيار وسيلة الإعلام التي يعتمد عليها، بل والمشاركة فيها. وبالفعل، ظهرت فئة من الصحافيين أطلق عليها اسم «الصحافيين الشخصيين» - بمعنى أن أي شخص يملك هاتفًا ذكيًا لالتقاط صورة أو مقطع فيديو مباشرة - نجحت في خلق صالة تحرير افتراضية، بحيث يمكنهم من خلالها التواصل مع أعداد لا حصر لها من البشر من خلال تغريدات وإعادة توجيه تغريدات.
وبالنسبة لمن يشتكون من أن ترامب تعرض لتغطية إعلامية أكثر سلبية عن هيلاري كلينتون، فإنني سأكتفي بتوضيح أن الاكتفاء بنقل تصريحات الرجل بدقة يحمل في حد ذاته معاني سلبية، فقد أطلق الكثير من التصريحات المروعة. علاوة على ذلك، فقد غطت وسائل الإعلام كل شاردة وواردة في مسيرة كلينتون على امتداد ما بين 25 و30 عامًا. وعليه، فإن أخطاءها ونقاط القصور لديها أصبحت معروفة تمامًا للجميع، في الوقت الذي كان ترامب وجهًا حديثًا نسبيًا على الساحة السياسية.
أيضًا، من العوامل التي أسهمت في تفاقم غياب الثقة التشوش الذي سيطر على الخط الفاصل بين الأخبار والرأي، الأمر الذي قد يمثل سببًا مشروعًا لتراجع الثقة في وسائل الإعلام. من جانبي، أرى أن الصحافة المؤيدة لفريق بعينه تنتمي إلى المقال الافتتاحي وصفحة الرأي، رغم أن الكثير من المؤسسات الإعلامية تتبنى فكرة أن تعزيز قضية اجتماعية ما أو تقويض مرشح غير ملائم يبرر التغطية الشرسة التي تتخذ صفًا واضحًا، ولتذهب الموضوعية إلى الجحيم.
وعليه، لا يشعر المرء بالدهشة حيال فقدان هذا العدد الكبير من الأفراد ثقتهم بوسائل الإعلام. إلا أنه تنبغي الإشارة هنا إلى أنه عندما يدان مراسل أو محرر بإحدى وسائل الإعلام المنتمية لما يسمى التيار الرئيسي بالكذب عمدًا، فإنه سرعان ما يتعرض للفصل. في المقابل، لا ينطبق الأمر ذاته على العالم الإعلامي البديل أو شبكات التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، أبدى بول هورنر، مختلق القصص الإخبارية عبر «فيسبوك»، دهشته مؤخرًا من أن قصصه المختلقة كان لها دور في انتخاب ترامب.
ولحسن الحظ، لا يثق بوسائل التواصل الاجتماعي «بشدة» سوى 4 في المائة فقط من الأميركيين باعتبارها مصدرًا إخباريًا، بينما أعرب 30 في المائة عن ثقتهم بها «بعض الشيء»، تبعًا لما أعلنه «مركز بيو للأبحاث». ومع هذا، يصعب أحيانا فرز الأخبار الكاذبة عن الصادقة، وهنا يكمن التحدي الأكبر في عصرنا الحالي.
الواضح أن مستهلكي الأخبار ينبغي لهم التحلي بقدر بالغ من اليقظة في انتقائهم لمصادر الأخبار التي يعتمدون عليها، مع تعاملهم في الوقت ذاته بعين نقدية مع المصادر التي يقع عليها اختيارهم. وينبغي لوسائل الإعلام التي تشكل التيار الرئيسي العمل بجد أكبر لتقديم تغطية متوازنة، سعيًا وراء إعادة بناء الثقة. كما أن البرامج التثقيفية، التي ترمي لتوجيه الطلاب بخصوص كيفية تقييم الأخبار، على غرار تلك التي ينظمها «نيوز ليتراسي بروغرام»، بحاجة إلى دعم عام أكبر والإسراع في تنفيذ جداولها الزمنية.
وأنصح الرئيس الجديد بالإدلاء بتصريحات تشجع هذا النهج، الأمر الذي سيعود عليه بالفائدة مع تبدل العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام إلى صفه، الأمر الذي سيجعل صورته العامة أفضل من أي وقت مضى.

*خدمة: «واشنطن بوست»