نديم قطيش
إعلامي وكاتب سياسي لبناني، عمل مقدماً لبرنامج «دي إن إيه» اليومي الساخر الذي بُث على شاشتي «العربية» و«المستقبل». يقدم حالياً برنامج «الليلة مع نديم» على شاشة «سكاي نيوز عربية» الذي يجمع فيه بين السخرية والتعليق السياسي الجاد.
TT

تمنوا كلينتون وتهيأوا لترامب

سيكون صعبًا الحكم على رئاسة أي من هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب من الآن. لا شك أن الخطوط العامة للمرشحين واضحة، كما منطلقاتهما الآيديولوجية ومنظومتا القيم التي يتحركان من خلالهما.
لكن الرئاسة الأميركية متحركة أيضًا، وتتميز بليونة تحكمها المتغيرات التي تحف بأي عهد رئاسي، وغالبها غير متوقع.
المثال الأخير الذي عهدناه هو جورج دبليو بوش الذي ترشح وفق خطاب شبه انعزالي ليجد نفسه بين الرؤساء الأكثر تدخلاً خارج أميركا، وخاض حربين مكلفتين في أفغانستان والعراق، استمرت نتائجهما لتحكم حتى خيارات خلفه باراك أوباما، ولدورتين متتاليتين!
وبالتالي الحكم اليوم ينطلق من الخطاب المعلن والمعطى المتوافر وليس ما قد يستجد، وهو سيستجد حتمًا، أكان على المستوى الاقتصادي أو على مستوى الشرق الأوسط الملتهب المقبل على لحظات انتقالية حساسة في أكثر من دولة عربية وإقليمية!
للعرب مصلحة أكيدة في فوز هيلاري كلينتون. فهي الأخيرة من «فصيلتها» ضمن الإستابلشمنت الأميركي. بمعنى أنها الأخيرة في رعيل يعرف الشرق الأوسط وملفاته وتعقيداته وقضاياه! بعدها سنجدنا أمام المزيد من باراك أوباما أو المزيد من دونالد ترامب، أو غيرهما من «الفصائل» السياسية التي تتصرف على قاعدة أن الحرب الباردة انتهت فعلاً، وانتهت معها بالتالي كل القواعد التي حكمت العلاقة بالشرق الأوسط ودوله!
مع أوباما شهدنا الكثير من الارتجال بسبب هذه القناعة. والنتيجة لا تحتاج إلى عرض مفصل، من ليبيا إلى اليمن وما بينهما! مع دونالد ترامب سنشهد المزيد من الارتجال، والاختبارات المكلفة، في حين مع كلينتون، تمتلك حكومات المنطقة فرصة «لتسكير» حزمة من الملفات العالقة منذ عقود. أقول فرصة ولا أجزم بأن تتحول الفرصة إلى نتائج عملية ونهائية. من هذه الملفات، «حل ما» للقضية الفلسطينية كي لا تنفجر بين أيدينا مجتمعات إضافية قابلة للانفجار كلبنان.. وفلسطين نفسها! من ذلك أيضًا ضرورة إعادة التوازن إلى العلاقة بين إيران والدول العربية وغير العربية السنية في المنطقة! والأبرز دائمًا، تحديد إطار عاقل وموضوعي لمكافحة الإرهاب ضمن ورشة عالمية ومشروع «مارشال ثقافي» لإنقاذ الحضارة الإسلامية من المسار الذي تتجه نحوه، لا يقل جذرية عن مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية لإنقاذ اليابان وألمانيا من رواسب الفاشية!
من المفيد التنبه أنه أيًا تكن النتيجة فجر الأربعاء، فإن «الترامبية» ستكمل، وهي جزء من العالم الذي يولد اليوم ويقطع مع عالم آخر، تشكل هيلاري كلينتون آخر روابطنا به، ورابطه بنا!
الترامبية، تصعد اليوم في أوروبا. هي حزب الحرية في النمسا، وحزب الاستقلال في بريطانيا، وحزب القانون والعدالة في بولندا، والتحالف المدني في المجر، وماري لو بن في فرنسا، وكلهم ممن يتقاطعون مع الشعبوية البوتينية المسلحة! من المفارقات أن كل هذه الأحزاب تقدمت في الاستطلاعات بصرف النظر عما كيل لها من اتهامات، قوية وضعيفة، بشأن علاقتها بروسيا! فروسيا لم تعد جزءًا من المخاطر التي يعيها الناخب الغربي، وهذا إعلان وفاة الحرب الباردة نهائيًا. العدو اليوم هو الإسلام السني المتطرف الذي يدخل في كل السجالات القيمية والسياسية في الغرب، من قانون الهجرة وقانون العمل إلى قوانين الدمج الاجتماعي وصولاً إلى حقوق الأقليات وغيرها من القضايا الشائكة!
مع هيلاري أو ترامب، الإسلام السني متهم، وخصم، والاستعدادات لمواجهته قائمة.
مع هيلاري نملك فرصة لالتقاط الأنفاس وتنظيم الخلاف، مع ترامب نكون دخلنا عالمًا جديدًا كنا سندخله عاجلاً أم آجلاً، إنما هذه المرة بتهيئة أقل.