سعد المهدي
TT

يشتكون من الإعلام وهم وقوده؟!

من الظلم أن نعتقد أن ناتج ما يصدر عن الإعلام من أفكار ينفصل عن سياقه الممتد إلى عمق المجتمع، حتى إن وجدنا من يختلف معه لأنه يتفق معه تارة أخرى، الأمر مرتبط بقياس ما يمكن أن يحققه له الرأي المطروح من نقاط تصب في رصيده ضد طرف آخر يرى أنه خصمه بغض النظر عن المنطق، أو البرهان الدامغ، هذا يحدث في الرياضة والسياسة وغيرهما!
الفيلسوف أرسطو، أو كما عنون له ماجد فخري (المعلم الأول)، في كتابه الذي ألفه عن حياته وآثاره يذكر أن أرسطو قسم المنطق إلى ثلاثة أقسام «المفردات، والأحكام والقضايا، والأقيسة والبراهين»، وهو لا يرى أن كل قياس برهان، إذ منها الجدلي، والخطابي، والبرهاني، فالأول يراعي حال المخاطب وأنواع الحجج التي تولد الإقناع عنده، والجدلي يقوم في مقدمات مشهورة ليست باليقينية، أما البرهان فيقوم على مقدمات يقينية ثابتة قطعيًا، لاعتماده كما يرى على مباحث علمية، وفلسفية صرفة.
لا أحد ضد الحوارات والنقاشات المفتوحة التي أصبحت المادة الإعلامية الطاغية على هيكلية برامج الإذاعة والتلفزيون، إذ إن من شأنها طرح القضايا المهمة من جوانب وزوايا مختلفة، يمكن أن تفضي إلى فهم أوضح للتفاصيل، وإيجاد حلول، أو المطالبة بها من جهات الاختصاص، إضافة إلى التعليق على الأحداث، وإثراء المتلقين بالمزيد من المعلومات، والمعارف، لكن هل هذا ما يحدث في هذه البرامج؟!
كذلك لم يعد من الممكن الحجر على «النقد»، أو التضييق على النقاد وأصحاب الرأي في عالم فضاءاته مفتوحة، وسقفه عال، ووسائله وأدواته متعددة وميسرة، لولا أن «النقد» يختلف كليًا عن الكلام المرسل، أو الجدل العقيم، والمفردات القبيحة المخاتلة، والبرهان الضعيف أو المفقود، وهي صفات تتمتع بها حواراتنا الرياضية في الإعلام والمنتديات، والمجالس، وحتى تلك التي تصدر من داخل الأندية والاتحادات الرياضية!
في كتاب «الصحائف» ترى الأديبة الشاعرة مي زيادة أن كلمة «النقد» أوهمت الناس بأنه لابد من الطعن والتحامل ليكون «النقد» بارعًا، وأنه لو وضعنا كلمة «تمييز» بدلاً عنها لكانت أوفى بالغرض، وأن بعض الناس غير موفقين في ألسنتهم، فإن أثنوا جاء الثناء إهانة، وإن فخموا جاء التفخيم مهزلة، وإذا سردوا حكاية أثبت مغزاها عكس ما أرادوا، إلى أن كشفت مبكرًا، حيث توفيت 1941، أن «النقد» التحليلي أقل حظًا في الانتشار من الهجوم والطعن، وحب التقول، ولكن له من لا يرضى بغيره، وهو ما يعانيه النقد التحليلي حتى يومنا هذا.
نعود لقاعدة منطقية أرساها أرسطو طاليس، المولود في المدينة اليونانية سطاجير سنة 384 ق. م، وهي أن الإنسان لا يستطيع بلوغ هذه المرتبة من الكمال، إلا في إطار مجتمع يخضع فيه الجميع لسيادة القانون، لذا فإن أي رغبة في تصحيح شأن «ما» لا يمكن طلبه من طرف واحد... الجماهير والمسؤولون في الأندية وعن المؤسسة الرياضية يشتكون مما يصدر عن الإعلام، وهم في مقدمة من يتعاطاه ويتعامل معه، ويمارس فيه ذات الدور، هذا لا يستقيم أبدًا!.