نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مؤتمر تبديل الحرس

أخيرًا شوهد دخان أبيض في رام الله، مؤذنًا بحسم أمر المؤتمر السابع لحركة فتح، المقرر عقده في التاسع والعشرين من الشهر الحالي، وفي «فتح» يعتبر أي مؤتمر مهما كان رقمه، كما لو أنه تأسيسي، ذلك بفعل تخلي «فتح» - والفضل في ذلك لياسر عرفات - عن عقد المؤتمرات دوريًا، فقد كان الرجل يكره المؤتمرات، وتبريره لهذه الكراهية، أن أي مؤتمر عام في «فتح» يسقط قيادة ويُنجِح بديلاً عنها، أو يسقط ولو قائدًا واحدًا ويستبدل به قائدًا جديدًا، فذلك يعني تقليب الحجارة الراسخة ليخرج من تحتها مفاجآت تصعب السيطرة عليها وتحتاج إلى سنوات طويلة لترويضها تحت جناحيه الواسعين.
وفي عهد عباس، وعد الرجل بأن يجعل مؤتمرات «فتح» دورية، وأن تنعقد كل أربع سنوات، دون جعل المعوقات التقليدية والعرفاتية سببًا للتأجيل أو الإلغاء.
إلا أن وعد عباس لم يتحقق، إذ تأخر المؤتمر عن موعده الدوري ثلاث سنوات بالتمام والكمال، وسرى بين أفخاذ القبيلة همهمات بأن المؤتمر سيعقد بعد أن يمر على المؤتمر الذي سبقه عشر سنوات على الأقل جريًا على مألوف العادة، غير أن ملابسات داخلية وخارجية فرضت على عباس أن يعقد مؤتمرًا يحمل الرقم سبعة، فكان قرار اللجنة المركزية بالإجماع متوافقًا مع رغبة عباس، ورغم ذلك فلا يزال الرأي العام في «فتح» يشعر بمخاوف التأجيل في اللحظات الأخيرة مثلما حدث مع الانتخابات المفترضة للمجلس التشريعي والرئاسة، ومثلما حدث كذلك مع الانتخابات المحلية وعقد الدورة العادية للمجلس الوطني.
ومع الشكوك وانعدام اليقين، اشتعل في «فتح» جدل لا يهدأ، حول من سيذهب إلى بيته من أعضاء القيادة الحالية، ومن سيأتي بديلاً عن الذاهبين، وقلة قليلة من أعضاء الحركة الكبرى يتحدثون عن برنامج سياسي يفترض أن يحوي جديدًا، بعد فشل الرهانات على العملية السياسية التفاوضية، وقلة أقل تتحدث عن تعديلات جوهرية في النظام الداخلي، الذي وضع في بدايات التأسيس، ولم يكن يومًا معمولاً به لأن بديله الفعال كان توافقات القيادة وتقاسمها للمواقع والنفوذ، وجاء وقت كان النظام الداخلي الفعال فيه، هو ما يريده عرفات بعد استرضاء زملائه التاريخيين والجغرافيين في اللجنة المركزية.
الجدل حول الأشخاص القادمين والمغادرين لحصون اللجنة المركزية لم يعد محصورًا في أبناء القبيلة الفتحاوية، ففي زمن الـ«فيسبوك»، صار ما يوصف بالشأن الداخلي لـ«فتح» مباحًا ومتاحًا لكل من يملك إمكانية الدخول إليه في فلسطين وفي جميع أنحاء العالم.
ولأن مدمني الإنترنت يعشقون الإثارة وافتعال الروايات ومراقبة ردود الفعل عليها، فقد انهمك الهواة في فرض جدول أعمال نزواتهم ورغباتهم على الحركة المفتوحة والمنفتحة قبل زمن الكومبيوتر ومؤثراته الماحقة.
ولو تركنا عالم الكومبيوتر وما يدبج عليه من وقائع وسيناريوهات ونظرنا مليًا في واقع «فتح» ودورها القيادي، الذي كان محسومًا في كل ما يتصل بالشأن الفلسطيني، فلن نجد صعوبة في تحديد الأولويات الملحة التي يتعين عليها أداؤها في هذه المرحلة بالذات، وأولها وقف التدهور المريع في مكانتها داخليًا وخارجيًا، وقد بلغ مستوى غير مسبوق منذ انطلاقتها وفي كل مراحل المد والجزر التي مرت بها.
وثانيها إقناع الشعب الفلسطيني بجدوى خياراتها ورهاناتها في زمن انعدمت فيه الخيارات المضمونة، وتحولت فيه الرهانات إلى عكسها.
وثالثها ليس التقدم نحو تحقيق الأهداف الوطنية التي قامت من أجلها وحصلت في الطريق نحو هذه الأهداف على مسمى أطول ثورة في التاريخ، بل تراجعت الأمور إلى مستوى وقف الحرب بين غزة والضفة وهل يلتقي عباس مع نتنياهو في القدس أو موسكو أو القاهرة، وهل يفرج نتنياهو عن الدفعة الرابعة من المعتقلين الفلسطينيين، وهل يجمد الاستيطان ولو ظاهريًا أثناء اللقاءات أو المفاوضات.
منطقيًا.. الهوامش ضيقة، والخيارات والبدائل صعبة وباهظة الثمن، وأمور كهذه تحتاج إلى شروط وإمكانيات ومناخات غير ما هو متوفر الآن، وهذا ما يعزز الاعتقاد، بل اليقين، بأن المؤتمر العتيد سيتجه نحو الممكن وهو تبديل الحرس، وليس تغيير الاتجاه.