مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ثلاث صفحات من التاريخ

اقرأوا معي هذه الصفحات الثلاث:
الصفحة الأولى: روي أن رجلاً من العقلاء غصبه بعض الولاة ضيعة فأتى إلى المنصور فقال: أصلحك الله يا أمير المؤمنين أذكر لك حاجتي أم أضرب لك قبلها مثلاً؟ فقال: بل اضرب المثل، فقال: إن الطفل الصغير إذا انتابه أمر يكرهه فإنما يفزع إلى أمه، إذ لا يعرف غيرها، فإذا ترعرع واشتد فكان فراره إلى أبيه، فإذا بلغ وصار رجلاً وحدث به أمر شكاه إلى الوالي لعلمه أنه أقوى من أبيه، فإذا زاد عقله شكاه إلى السلطان، وقد نزلت بي نازلة وليس أحد فوقك أقوى منك إلاّ الله، فإن أنصفتني وإلاّ رفعت أمري إلى الله فإني متوجه إلى بيته وحرمه، فقال المنصور: بل ننصفك، وأمر أن يكتب إلى واليه برد ضيعته عليه.
الصفحة الثانية: قيل إنه كان لعبد الله بن الزبير أرض قريبة لأرض معاوية فيها عبيد له يعمرونها، فدخلوا في أرض عبد الله فكتب إلى معاوية: أما بعد فإنه يا معاوية إن لم تمنع عبيدك من الدخول في أرضي وإلاّ كان لي ولك شأن، فلما وقف معاوية على الكتاب دفعه إلى ابنه يزيد فلما قرأه قال له: ما ترى؟، قال: أرى أن تنفذ إليه جيشًا أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه، فقال: يا بني عندي خير من ذلك، عليّ بدواة وقرطاس، وكتب: وقفت على كتابك يا ابن حواري الرسول وساءني ما ساءك، والدنيا هينة عندي في جنب رضاك، وقد كتبت على نفسي رقمًا بالأرض والعبيد وأشهدت على ما فيه ولتضف الأرض إلى أرضك والعبيد إلى عبيدك والسلام.
فلما وقف عبد الله بن الزبير على كتاب معاوية كتب إليه: وقفت على كتاب أمير المؤمنين فلا عدم الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام، فلما قرأه معاوية رماه إلى ابنه يزيد، فلما قرأه أسفر وجهه فقال: يا بني إذا رميت بهذا الداء فداوه بهذا الدواء: حلم وكرم.
الصفحة الثالثة: قال الأصمعي: كنت عند الرشيد إذ دخل عليه إسحاق الموصلي فأنشده:
وآخره بالبخل قلت لها اقصري / فليس إلى ما تأمرين سبيل
فعالي فعال المكثرين تجملا / ومالي كما قد تعلمين قليل
فكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى / ورأي أمير المؤمنين جميل
فقال الرشيد: لله در أبيات تأتينا بها، يا غلام اعطه عشرين ألفًا، قال: والله لا أخذت منها درهمًا واحدًا، قال الرشيد: ولماذا؟!، قال: لأن كلامك والله يا أمير المؤمنين خير من شعري، قال: اعطوه أربعين ألفًا، قال الأصمعي فعلمت والله أنه أصيد لدراهم الملوك مني.