ديفيد بروكس
TT

حياة ترامب الوحيدة والحزينة

من الأمور الجيدة في مناظرات مجلس المدينة، أن الناخبين العاديين يعتادون طرح الأسئلة. ففي كل مناظرة بمجلس المدينة حضرتها، كان المرشح يحول ناظريه إلى الناخبين، ويصغي إليهم باهتمام، ويوجه الإجابة، على الأقل جزئيًا، إلى ذلك الشخص.
ويفعل المرشحون ذلك بسبب إنه شيء مهذب؛ ولأنه يبدو جيدًا للغاية أن تأخذ كلام الآخرين على محمل الجدية، وبسبب أن أغلبنا، وبشكل غريزي، يريد أن يتواصل بدرجة ما مع الناس الذين نتحدث إليهم.
تصرفت هيلاري كلينتون، وهي ليست من النماذج الرائعة في العلاقات الحميمة، بصورة عادية مساء يوم الأحد قبل الماضي. ولكن دونالد ترامب لم يفعل ذلك. تعامل ترامب مع سائليه وكأنهم كائنات آلية لا حس لها ولا عقل كما لو كان يجيب عن أسئلة في الفراغ، حتى عندما واتته الفرصة لأن يبدو متعاطفًا مع امرأة مسلمة شابة؛ مما يؤكد حالة الوحدة الشديدة التي يعيش فيها ترامب.
تعد السياسة من الجهود التي تنمي التواصل البشري، غير أن ترامب يبدو غير قادر على ذلك. وهو بالأساس إنسان رافض للنصائح، وبلا أصدقاء تقريبًا. وتتألف حملته الانتخابية من مرتزقة لا حس لهم ولا شعور في أفضل أحوالهم.
يعاني ترامب من رهاب الجراثيم طيلة حياته، ويقطع دائمًا اتصالاته مع الآخرين، وإنني أصوره الآن بمفرده في منتصف الليل، يغرد بكلمات مفعمة بالكراهية للجميع.
يحاول ترامب على الدوام كسر رقمه القياسي العالمي لكونه مكروهًا بصورة أسبوعية، ولكن مع غرق حملته من هوة إلى أخرى، أجد نفسي أعاني مشاعر يغمرها الحزن العميق والشفقة.
تصور لو كان عليك تحمل أسبوع بأكمله في عالم مليء بالكراهية من حولك، ومزدحم بالأعداء المتربصين من صنع يديك، وتكون أنت وحدك محل احتقارهم واستيائهم. ستكتوي بنار الألم والعذاب الشديد، وربما تشن الهجوم تلو الهجوم الحاد وتحاول تنفيذ الانتقام الوحشي على الكون من حولك. وبالنسبة لدونالد ترامب، فإن هذه هي حياته بكاملها.
لا يزال ترامب يستمر في الظهور بأعراض فقدان العواطف النرجسية، وهي العجز عن تفهم أو توصيف العواطف في النفس. والعجز عن معرفة الذات.
ولإثبات وجود أمثاله، فإنهم لديهم جوع شديد للاهتمام من الخارج. ويفتقرون إلى التدابير الداخلية من تقديرهم للذات، ويعتمدون على المعايير الخارجية غير الآمنة مثل الثروة، والجمال، والشهرة، وخضوع وإذعان الآخرين لهم.
وبهذه الطريقة، يبدو ترامب محرومًا من المتع كافة التي توفرها الصداقة والتعاون. ويمكن للنساء أن يكن مصدرا للمحبة والمودة، ولكن في حالته غير الطبيعية لا يمكنه إلا كراهية النساء وتحقيرهن.
يستمد أغلبنا نوعًا من السكون اللطيف عندما نشعر بأن حياتنا تتماشى مع القيم التي نؤمن بها. ولكن ترامب يعيش حياة بديلة.. إنه يعيش في عالم هوارد ستيرن اللاأخلاقي، حيث يعجز عن الاستمتاع بجمال الحياة الذي يحققه حب الإيثار وخدمة المجتمع في كثير من الأحيان.
تخيل لو أنك أنت دونالد ترامب، وتحاول سلوك طريقك بوسائل الخداع في المناظرات، وتسعى إلى منصب كبير ليست لديك أدنى المؤهلات لشغله، وتطارد بصيصًا من الاهتمام والاعتراف الذي يخبو شيئًا فشيئًا عن الأنظار.
ولا تشعر بالراحة إلا عندما تهين شخصا ما، وعندما تهدد بإلقاء خصمك في السجن، وعندما تحوم حوله مهددًا مثل سفاحي المافيا، وعندما تصيح في وجهه متهمًا إياه بأنه يحمل كمًا رهيبًا من الكراهية في قلبه، في الوقت الذي يكون واضحًا للجميع ألا تعبر إلا عن السواد المستقر في قلبك.
إن محاولات التجميل العاطفية لترامب تعني أنه لا يستطيع إلا الغضب والعدوان. ومن بعض النواحي، فإن أداءه في المناظرات تبدو مثل عروض الهيمنة المليئة بالضرب على الصدور والصراخ الصاخب في كل اتجاه.
في يوم الاثنين، نشر إريك إريكسون، وهو أحد نقاد دونالد ترامب المحافظين، مقالاً مؤثرًا بعنوان «إذا مت قبل أن تستيقظ». وكان إريكسون ذاته عرضة لهجوم شرس من جانب أنصار ترامب. ويعاني هو وزوجته مشاكل صحية خطيرة، وربما يلقيان حتفيهما قبل أن يكبر أبناؤهما. ورغم ذلك وكما يوضح المقال، فإنهما يعيشان حياة مليئة بالحب، والإيمان، والتفاني والخدمة. ويشعر كل منهما بثقة كبيرة في خيرة البشر وبمكانهم المليء بالنعم وسط الناس.
يمكننا مشاركة هذا الإيمان أو لا، ولكن إريكسون يعيش حياة مليئة بالتعاون والترافق - عاطفيًا وروحيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا. ولكن حياة ترامب، على النقيض من ذلك، تبدو ناجحة من الناحية السطحية ومفعمة بالبؤس بشكل عميق. ولا يرغب أي منا في أن يعيش هائمًا على وجهه وحيدًا فريدًا، مهما كانت سبائك الذهب التي يمتلكها سميكة وثقيلة.
في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني)، اليوم التالي على خسارة ترامب، لن يكون هناك تضامن أو صيحات وعويل من الغضب. سيمضي الجميع في طريقهم في هدوء.

* خدمة «نيويورك تايمز»