د. صالح بن محمد الخثلان
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود
TT

برنامج التحول الوطني والسياسة الخارجية السعودية

رغم تعدد أهداف برنامج التحول الوطني 2030 للمملكة، فإن تنويع مصادر الدخل هي الكلمات المفتاحية لهذا البرنامج الطموح. وبالطبع فإن هدف تنويع مصادر الدخل لا يعد أمرًا جديدًا، فقد فكر السعوديون فيه منذ خطتهم التنموية الأولى قبل أربعة عقود، مدركين خطورة الاعتماد على مصدر وحيد للدخل. لكن ما استجد هو وجود إرادة سياسية قوية لتحقيق هذا الهدف واتخاذ خطوات عملية وجريئة لتحقيقه.
هذه الخطة الطموحة التي تتضمن تفاصيل دقيقة تشير إلى مشروع إصلاح اقتصادي وإداري شامل غاب عنها البعد السياسي تمامًا وهو ما قد يبدو أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا لمن ينظر للإصلاح الاقتصادي من زاوية ضيقة جدًا بمعزل عن بيئته السياسية. وليس المقصود هنا بالبعد السياسي الإصلاح السياسي الداخلي الذي تطرق إليه البعض في تعليقاتهم على برنامج التحول، ويراه لازمة لأي مشروع إصلاح يراد له النجاح. ما أقصده هنا وسأتحدث عنه في السطور التالية يتعلق بالبعد السياسي الخارجي، وأعني به البيئة الخارجية للمملكة ودور السياسة الخارجية للمملكة في دعم برنامج التحول الوطني. وكما أشرت أعلاه فإن هذا الربط بين متغير الإصلاح الاقتصادي ومتغير السياسة الخارجية لن يبدو واضحًا لمن يأخذ بمنهج اقتصادي صرف لبرنامج التحول، إلا أن العلاقة بين المتغيرين تكاد تكون عضوية، خاصة في الدول المؤثرة في بيئتها الخارجية كالمملكة وتزداد درجة التلازم بينهما في حال اضطراب البيئة الخارجية للدولة كما هو الحال الآن في المنطقة.
نحن هنا ننطلق من افتراض بأن نجاح برنامج التحول الوطني مشروط بوجود بيئة خارجية مستقرة، وذلك لأن حجم هذا البرنامج وشموليته يستلزمان تعبئة وتركيز الجهود السياسية والإدارية والموارد المالية، ومن دون ذلك يصعب تحقيق الأهداف الطموحة وسيكون المتحقق مجرد مكتسبات جزئية. تركيز الجهود وتعبئة الموارد أمر قد لا يتحقق في حال بقيت المملكة مشغولة ببيئتها الإقليمية المضطربة التي تستهلك الكثير من الجهد والوقت والموارد. بالطبع لا يمكن لدولة بحجم المملكة ومكانتها ودورها الكبير الذي ترسخ عبر العقود الماضية أن تنسحب وتنكفئ على نفسها لتتفرغ لبرنامج التحول، فهذا أمر مستبعد تمامًا سواء للمملكة أو لأي دولة تطمح للعب دور مركزي في محيطها الإقليمي.
ولا شك أن هذا الدور بالنسبة للمملكة قد تنامى نتيجة تداعيات الربيع العربي التي أضعفت تأثير قوى إقليمية تقليدية من جهة، وعززت اختراق إيران للنظام العربي من جهة أخرى. لكن الخيارات أمام المملكة ليست محصورة في بديلي الانشغال أو الانسحاب، بل هناك بديل آخر وهو إجراء تقييم للسياسات الراهنة تجاه القضايا المختلفة التي تهم المملكة وإعادة صياغتها بما يجعل التحرك تجاهها يتلاءم مع متطلبات نجاح برنامج التحول الوطني من جانب، ويضمن بقاء المملكة طرفًا فاعلاً في بيئتها الإقليمية وذات حضور دولي معتبر بتكلفة سياسية ومالية مقبولة من جانب آخر.
ويأتي في مقدمة هذه القضايا بالطبع الحرب في اليمن والمواجهة مع إيران والصراع في سوريا ومستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة بعد إقرار قانون جاستا وتراجع أسعار النفط، وأخيرًا الضغوط المتنامية على المنهج السلفي.
الخطوة الأولى نحو هذا التقييم تتمثل في توسيع دائرة البحث في هذه القضايا وإتاحة هامش يسمح للمتخصصين بتبادل الرأي حولها وطرح الخيارات البديلة للتعاطي معها. وتتضح أهمية هذه الخطوة الاستقصائية - إن صح القول - بالنظر للطبيعة المعقدة لهذه القضايا وتشعبها مما يعيق قدرة متخذ القرار على الإلمام بكل أبعادها ومستجداتها المتسارعة، وهو ما يمكن أن يتوفر في حال توسيع دائرة النقاش والحوار المتخصص. من جانب آخر فإن هذه الدائرة الأكبر للبحث والنقاش تتيح هامشًا أوسع للطرح غير التقليدي وتوظيف منهجية العصف الذهني لمناقشة هذه القضايا والتي قد لا توفرها الدائرة الأولى المقصورة على المساهمين في اتخاذ القرار. هذه مجرد خطوة أولية من أجل تيسير الوصول للهدف المنشود بتمكين السياسة الخارجية السعودية من المساهمة في نجاح برنامج التحول الوطني. لكن البدء بهذه الخطوة مشروط بوجود قناعة بتلازم مساري التحول الداخلي والتحرك الخارجي.
* أستاذ العلوم السياسية
بجامعة الملك سعود