محمد الرميحي
أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت. مؤلف عدد من الكتب حول مجتمعات الخليج والثقافة العربية. رئيس تحرير مجلة «العربي» سابقاً، ومستشار كتب «سلسلة عالم المعرفة». شغل منصب الأمين العام لـ«المجلس الوطني للثقافة» في الكويت، وعضو عدد من اللجان الاستشارية في دولة الكويت. مساهم بنشر مقالات ودراسات في عدد من الصحف والمجلات المختصة والمحكمة.
TT

شيخوخة مجلس الأمن.. هل لها علاج؟

كشف موقف المملكة العربية السعودية في الامتناع عن شغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن، عن خلل جسيم في عمل المؤسسات الدولية المنوط بها حفظ الأمن العالمي، كثيرا ما كان يُتداول بين المختصين والدبلوماسيين، خلف الأبواب المغلقة، دون أن يظهر على السطح. لقد سعت الدول، وخاصة دول العالم الثالث، إلى إصلاح هذا الخلل دون نتيجة تذكر حتى الآن.
المتابع لهذا الملف يرى بوضوح كيف أن «النادي الخماسي» عصي على أن يقبل عضوا أو أعضاء جددا فيه، رغم اختلاف الخمسة الكبار أنفسهم مرارا وتكرارا، حسب مصالحهم، على قضايا محورية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. التغيير الوحيد الذي حدث هو إخراج «الصين الوطنية» من شغل مقعد الصين، وإحلال «الصين الشعبية» في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة عام 1972. بعد الوفاق الأميركي الصيني، وكان ذلك الوفاق وقتها على خلفية «عدو مشترك» هو الاتحاد السوفياتي! بعد ذلك لم يفتح هذا النادي الخاص أبوابه لأحد، وقد كانت الجهود تبذل من دول وأشخاص فاعلين في الجمعية العامة لاختراق ذلك الجدار دون جدوى.
سبعون عاما تقريبا منذ إنشاء الأمم المتحدة لم تتغير فيها التركيبة الحاكمة، الأمر الذي يذكرنا بسابقتها «عصبة الأمم» التي انهارت بعد سنوات قليلة من إنشائها لأنها لم تستطع أن تساير تغيرات العصر، فهل يحتاج الأمر إلى حرب عالمية جديدة لتغيير هذه التركيبة ذات الطبيعة الاحتكارية!
موقف المملكة العربية السعودية، وربما العديد من الدول العربية ودول العالم الثالث التي تشعر بالإحباط جراء «الاتفاق» خلف ظهر جميع الدول بين أقطاب مجلس الأمن لتمرير مصالح مشتركة، والضرب عرض الحائط بمصالح، بل وبأرواح عدد هائل من البشر، كما التضحية بالمبادئ من العدل والخير والمساواة التي تنادي بها تلك الدول علنا.
الموقف السعودي أشار إلى قضيتين؛ الأولى تاريخية وهي القضية الفلسطينية، والأخرى حديثة هي الحالة السورية. الأخيرة فاقت كل احتمالات الضمير الحي لأي إنسان، جراء القتل على الهوية والتدمير غير الأخلاقي، لبلد هو من أهم البلدان العربية ومهد إحدى الحضارات الأساس في العالم.
القابض على السلطة في دمشق تفوق حتى على توصيات الشرير ميكافيلي، فالأخير لاحظ وجوب «حد أخلاقي أدنى للحاكم تجاه شعبه».
ما نشرته جريدة «التايمز» اللندنية يوم السبت الماضي على لسان الطبيب البريطاني الجراح المتطوع في أحد مستشفيات سوريا، أن قناصة الأسد يتراهنون فيما بينهم على استهداف الأمهات الحوامل بالتصويب نحو رؤوس أجنتهن، عمل لا أخلاقي غير مسبوق في كل الصراعات التي عرفتها البشرية يخجل منه حتى ميكافيلي.
في الجلسة الحادية والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006 - 2007 التي ترأستها مملكة البحرين، انتعشت الآمال لإحياء جهود إصلاح مجلس الأمن، الأمر الذي سكت عنه لمدة ربع قرن كامل كانت الحوارات تدور على استحياء وتقطع منذ الدورة الرابعة والثلاثين عام 1979 التي أدرج فيها الطلب لأول مرة من الجمعية العامة «للعمل على التمثيل العادل في مجلس الأمن» رغم أن القمة العالمية عام 2005 (قمة القادة) أكدت ضرورة التوصل إلى نتيجة في إصلاح مجلس الأمن.
الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة انقسمت تقريبا إلى مجموعتين في هذا الأمر؛ الأولى هي التي تسمى بـ«ج أربعةG4}، والتي تضم ألمانيا واليابان والهند والبرازيل، وهي التي ترى أن لها الحق الطبيعي في دخول مجلس الأمن كأعضاء دائمين، لهم كل صلاحيات الأعضاء الخمسة الدائمين ومنها حق الفيتو، خاصة أن الأربعة أصبح لهم ثقل اقتصادي ضخم في الدورة الاقتصادية العالمية، والمجموعة الثانية أصبح لها اسم ملتبس «الاتحاد من أجل التوافق» تتزعمها باكستان وإيطاليا. إيطاليا من جهة تعتقد أن دخول ألمانيا واليابان (اللتين خسرتا الحرب العالمية الثانية) تشبه موقعها في أوروبا، وباكستان تتخوف من دخول غريمتها الهند التي بينها وبينها صراع مكتوم.
حراك 2006 - 2007 في الجمعية العامة للأمم المتحدة أنتج فريق عمل يتكون من خمسة سفراء لإعداد تقرير بعد الاجتماع بالدول الأعضاء كافة، والأخذ برأيهم بشكل صريح ومباشر وشفاف. الحضور العربي كان غير مؤثر رغم أن عدد الدول العربية في الجمعية العامة يزيد على العشرين، ورغم أن مصر كانت مرشحة - إن جرى الإصلاح - من قبل الدول الأفريقية، مع دولتين أفريقيتين أخريين لمقعد مقترح لأفريقيا، حيث لا يوجد مقعد دائم لقارة أفريقيا. الاجتماعات الكثيفة وقتها، غاب عنها الجهد العربي المشترك.
قدم السفراء الخمسة تقريرا إلى الجمعية العامة بعنوان الطريق إلى الأمام (way forward) الذي اقترح توسيع مجلس الأمن والسبل الممكنة لذلك، وتلاه تقرير آخر لإيضاح بعض الاستفسارات من الدول، ومن ثم صدر قرار من الجمعية العامة لاعتماد التقريرين، والبدء في مرحلة المشاورات بين الدول على أساس ما جاء في هذين التقريرين، ثم توقف الأمر.
الصمت المريب من الخمسة الكبار حيال كل هذه التحركات يعني أن أي تعديل يحتاج إلى موافقتهم، لأن التعديل يترتب عليه تغيير في نصوص ميثاق الأمم المتحدة، وما دام أعضاء الجمعية العامة مختلفين وغير قريبين من التوافق فإن الصمت هو أفضل الطرق، وهكذا كان. وبدأت ظاهرة جديدة تبرز على المنبر الدولي. الجمعية العامة تأخذ قرارات جذرية في قضايا عالمية حساسة، وكثير منها بالأغلبية، كما حدث للموضوع الفلسطيني، ولكن مجلس الأمن له رأي آخر. أغلبية دول تمثل معظم سكان الأرض لها رأي ولكنه رأي غير ملزم في القضايا الدولية، ومتى ما توافقت مصالح الخمس الكبيرة، جرى اتخاذ القرار.
كانت الولايات المتحدة هي أكثر دولة في مجلس الأمن تستخدم حق النقض، خاصة في أوقات الخلاف بينها وبين الاتحاد السوفياتي السابق، وفي مراحل ضعف الأخير استطاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها تمرير الكثير من القرارات الدولية، روسيا اليوم هي التي تستخدم حق الرفض. المعطل هو مصالح الدول والشعوب التي لم يعد كثيرا يقنعها الكلام المنمق حول «الحرية والعدالة والمساواة»، وقد استمرت الدول ذات النفوذ تتجاوز مطالب الحرية والعدالة، متى انسجم ذلك مع مصالح تراها ضرورية!
رغم التوافق الدولي (خارج الدول الخمس) على أهمية إصلاح الأمم المتحدة، وعلى رأس الإصلاح إصلاح مجلس الأمن، حيث إن الوضع الراهن غير مقبول لدى الأغلبية الساحقة المكونة للأمم المتحدة، فإن الجمعية العامة تبقى هي فقط «مكلمة» شكلية لا أكثر، ومع تراكم الوثائق والدراسات والبحث عن حلول وسطى، فإن أعضاء مجلس الأمن الخمسة توافقوا ضمنا على أن لا يخرق أحدهم السفينة، وسيظل عمل المجتمع الدولي معطلا وعاجزا عن الحراك في قضايا تراها الشعوب في العالم الثالث حيوية وإنسانية ومفصلية.
لقد اقتصر الحديث عن الإصلاح أو على الأقل انتحى إلى الغرف الخلفية منذ عشر سنوات، إلا أن موقف المملكة العربية السعودية قد دفعه اليوم إلى الصدارة من جديد. من المهم القول إن جهودا عربية ومنظمة وجب حشدها من أجل التعاون مع المتضررين من الأمر برمته في القارات الأخرى، إلا أن الحقيقة هي أن الجهد العربي اليوم ما زال باهتا وقليل الفعالية؟
آخر الكلام:
إطلاق نظام بشار الأسد مجموعة من النساء والأطفال من المعتقلات، بسبب الصفقة التي جرت لإخراج اللبنانيين التسعة، يعني أن نظام الأسد لا يتورع عن حجز حرية النساء، وهن غير مقاتلات، متحولا من نظام إلى مجموعة إرهابية!!