حكومة المملكة المتحدة مطالبة بأن تجري تقييمين دقيقين، أحدهما سياسي والآخر اقتصادي، قبل أن تقرر مواصلة بناء محطة كهرباء نووية بمنطقة هنكلي بوينت. فالتقييم السياسي يعارض بشدة فكرة تجاهل المشروع، في حين يذهب خبراء الاقتصاد في الاتجاه المعاكس، حيث يرون أن التكلفة الاقتصادية كبيرة، وسوف تتكبد الدولة كثيرًا في نهاية المطاف بسبب هذا القرار. رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي كانت على حق عندما راجعت صفقة هنكلي.
فمبلغ 18 مليار إسترليني (24 مليار دولار) يعني أن المحطة ستكون أغلى بناء في العالم (بلغت تكلفة إنشاء «مصادم الهدرونات الكبير» الذي يعد الأضخم في العالم نحو 6 مليارات دولار).
فبعد خروجها من منظومة الاتحاد الأوروبي، فإن آخر ما تحتاجه المملكة المتحدة هو أن تنفر الدول التي قد تؤثر على وضعها التجاري في أوروبا، ولذلك فمن غير المرجح إغضاب فرنسا، التي تعتبر شركتها « إلكتريسيتي دي فرنس» المقاول الرئيسي لمحطة «هنكلي»، والصين حيث تتكفل شركتها «تشينا جنرال نيوكلير باور» بثلث التكلفة.
كان هناك أيضًا نقاشات مؤيدة بقوة للاستمرار، مستندة إلى الحاجة الواضحة لمزيد من مصادر توليد الطاقة. وتقدر الحكومة أن الحاجة إلى الكهرباء سوف ترتفع بواقع 20 في المائة خلال العقدين المقبلين، وفي الوقت ذاته، سوف تخسر المملكة المتحدة المصادر الموجودة بعد خروج المفاعل النووي الحالي والآخر الذي يعمل بالفحم من الخدمة. وجرى تصميم محطة هنكلي بحيث توفر 7 في المائة من حاجة بريطانيا من الكهرباء على مدى ستة عقود. ويظهر رسم بياني صادر عن «المكتب الوطني لمراجعة الحسابات» أهمية المحطة النووية للوفاء باحتياجات البلاد من الكهرباء في المستقبل. وبحسب تقرير المكتب، الأسبوع الحالي، منعت الصفقة محاولات حماية أمن الطاقة البريطانية عن طريق منع شركة «إلكتريسيتي دي فرنس» من البيع بأقل من الحصة التي استحوذت عليها قبل اكتمال إنشاء المحطة من دون موافقة الحكومة.
غير أن هذا لا يمثل حلاً للمشكلة التي أثارها نك تيموثي، أحد كبار مساعدي رئيسة الوزراء حاليًا، والذي حذر العام الماضي من أن تدخل الصين قد يجعلها «تغلق مجال إنتاج الطاقة في بريطانيا إن أرادت».
إلا أن القضية الأهم بالنسبة لمشروع هنكلي تبدو أكثر ابتذالاً من مخاطر التجسس الصناعي أو قيام القوى الأجنبية بإطفاء الأنوار. فالجدول الزمني للبناء والمبالغ المطلوبة تجعل من المشروع رهانًا ومغامرة كبيرة فيما يخص تكلفة الكهرباء في المستقبل. فالاحتكام في سعر الكهرباء المتضخم إلى شركة « إلكتريسيتي دي فرنس» بمقتضى عقد يجعل بداية السعر ضعف سعر الجملة الحالي سوف يلزم الحكومة بهذا الوضع طيلة 35 عامًا مقبلة، ليبدو الأمر خطأ غير ضخم في العقود المقبلة. فقد تضاعفت التكلفة للمستهلكين في المملكة المتحدة 4 أضعاف منذ عام 2013، ليرتفع سعر الكهرباء في المستقبل إلى 30 مليار جنيه، في الوقت الذي تتجه التوقعات إلى انخفاض أسعار الكهرباء في المستقبل.
تلك الفجوة بين أسعار السوق والأسعار التي ستحددها الشركة الفرنسية ربما يجري تدبيرها من الوفر في تكلفة البناء، في حال تحملت الشركة الفرنسية وشركاؤها أي زيادة فوق 18 مليار جنيه. وفي ضوء حقيقة أن مشروعات البنية التحتية الضخمة نادرًا ما يجرى تسليمها في الموعد المحدد أو الميزانية المقررة، فمن المرجح أن ترتفع التكلفة خلال السنوات العشر التي يجرى فيها الإنشاء.
يتطابق تصميم محطة هنكلي مع محطة تتولى الشركة الفرنسية إنشاءها في فلامنفيل بفرنسا. فقد تأخرت الشركة في التسليم 6 سنوات، وتضاعفت التكلفة 3 مرات لتبلغ 11.8 مليار دولار. غير أن الشركة الفرنسية تزعم أن محطة هنكلي سوف تستفيد من خبرة التنفيذ في المحطة الفرنسية التي تحصل عليها العاملون في الشركة الفرنسية من خلال عملهم هنا.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
7:38 دقيقه
TT
رهان المملكة المتحدة النووي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة