يظل الشعور بالألم المحرك الأهم لشكوى غالبية المرضى، ولا يُنافسه سوى ارتفاع حرارة الجسم والشعور بالتعب، باعتبار هذه الأعراض المرضية الثلاثة هي الأعلى شيوعًا بين قائمة طويلة من أعراض الأمراض المختلفة التي قد تصيب أجزاء شتى من الجسم.
ووفق ما تشير إليه الأكاديمية الأميركية لطب الألم (American Academy of Pain Medicine (AAPM، فإن المؤسسة القومية للطب Institute of Medicine بالولايات المتحدة ذكرت في تقريرها الحديث بعنوان «تخفيف الألم في أميركا: خطة لتحويل الوقاية والرعاية والتثقيف والبحوث»، أن الألم هو مشكلة صحية كبرى تُكلف المجتمع الأميركي ما لا يقل عن 635 مليار دولار سنويًا، وهي تكلفة مادية تشمل التكاليف الإجمالية للرعاية الطبية اللازمة لمعالجة الألم، وهي نحو 300 مليار دولار سنويًا، والتكلفة المادية بسبب فقدان إنتاجية الفرد المتألم، أي على أساس أيام العمل الضائعة وساعات العمل المفقودة وتدني الأجر بسبب إعاقة الألم، وهي نحو 336 مليار دولار. وتُضيف الأكاديمية تعليقًا على هذا بالقول: «هناك الكثير مما ينبغي القيام به لمواجهة هذه التحديات للألم وزيادة الوعي العام حولها».
وكجزء من الحلول العلاجية المتوفرة بيد الطبيب لمعالجة الألم، ثمة «قطاع أدوية تسكين الألم»، وهو قطاع كبير بين مجموعة عموم الأدوية المتوفرة طبيًا للمعالجة. وبموازاة هذا القطاع من أنواع الأدوية الطبية هناك قطاع كبير أيضًا من «مُسكنات الألم غير الدوائية».
ولكن، كما تذكر الأكاديمية الأميركية لطب الألم فإن ثمة مشكلة أخرى ناجمة عن تناول الأدوية المسكنة للألم، وهي مشكلة «سوء استخدام أدوية تسكين الألم» Painkiller Abuse، التي كما تفيد الأكاديمية المذكورة في نشراتها نقلاً عن تقرير «إدارة استخدام الأدوية وخدمات الصحة النفسية» Substance Abuse and Mental Health Services Administration بالولايات المتحدة بعنوان «الوقاية من سوء استخدام المواد الكيميائية بالدولار والسنت: تحليل التكاليف والمنافع»، وفيه ذكرت عددًا من النقاط، منها أن عدد زيارات المرضى لأقسام الإسعاف لمعالجة حالات المشكلات الصحية الناجمة عن تناول مُسكنات الألم ارتفعت بمقدار 153 في المائة فيما بين عام 1995 وعام 2002، وارتفعت نسبة القبول لدخول برامج علاج تعاطي مسكنات الألم بمقدار 321 في المائة في نفس الفترة. وبين عام 1994 وعام 2004 ارتفعت الوفيات الناجمة عن الإفراط في تناول مسكنات الألم بمقدار 160 في المائة. وأن الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك لمسكنات الألم في العالم، وذلك باستخدام 71 في المائة من عقار أوكسيكودون Oxycodone و99 في المائة من هيدروكودين أو فيكودين Vicodin.
وبشيء من التفصيل البسيط، كانت نتائج دراسة الباحثين من جامعة واشنطن في سياتل المنشورة ضمن عدد 13 فبراير (شباط) 2008 من مجلة رابطة الطب الأميركية Journal of the American Medical Association، قد ذكرت أن تقدير التكاليف الإجمالية للمعالجة الطبية Total Estimated Medical Costs لآلام الرقبة والظهر ارتفعت بنسبة 65 في المائة فيما بين عام 1997 و2005 لتبلغ نحو 86 مليار دولار.
وضمن عدد 1 سبتمبر (أيلول) الحالي من مجلة «وقائع مايو كلينك» Mayo Clinic Proceedings طرح الباحثون بـ«مايو كلينك» مراجعة لرؤية شاملة لنتائج استخدام طرق أخرى لمعالجة حالات الألم عبر استخدم وسائل غير تناول الأدوية Drug - Free Methods، أي مثل وسيلة الوخز بالإبر ووسيلة اليوغا ووسيلة تدليك المساج ووسيلة تاي تشاي Tai Chi الصينية التي يُقال إنها تُسرّع في الشفاء وتحسين كفاءة الدورة الدموية وتُقوي وظائف الدماغ وتُقلل من حالات التوتر عبر ممارسة حركات مفعمة بالانسيابية والنشاط.
وقال الباحثون إنه على الرغم من لجوء الملايين إلى استخدام أنواع من هذه الوسائل غير الدوائية فإنه لا تتوفر معلومات طبية موثقة تُساعد الأطباء في فهمها، وفي الحث لاستخدامها وفق نتائج علمية مدروسة. وعلق الدكتور ريتشارد ناهن، الباحث الرئيسي في الدراسة ورئيس علم الأوبئة في المركز الوطني الأميركي للصحة التكميلية والتكاملية NCCIH، بالقول: «بالنسبة لكثير من الأميركيين الذين يُعانون من الآلام المزمنة فإن الأدوية لا تقدم لهم الإزالة التامة للألم وقد تتسبب لهم بالكثير من الآثار الجانبية الضارة وغير مرغوب فيها، ولذا قد يلجأ الكثيرون إلى نهج استخدام وسائل غير دوائية ضمن عملية إدارة معالجة آلامهم. وكان هدفنا من إجراء الدراسة توفير معلومات عالية الجودة ذات صلة بهذا الأمر لمقدمي الرعاية الطبية وللمرضى الذين يُعانون من الآلام المزمنة. وأضاف أن الباحثين قاموا بمراجعة 105 دراسات طبية إكلينيكية تم إجراؤها في الولايات المتحدة خلال الخمسين سنة الماضية.
وأفاد الباحثون أن بعض هذه الوسائل أظهرت نتائج واعدة الفاعلية في تخفيف الآلام المزمنة بطريقة آمنة، مثل الوخز بالإبر واليوغا لآلم الظهر، ومثل الوخز بالإبر وتاي تشاي لآلام الركبة، ومثل تقنيات الاسترخاء الشديد للصداع، ومثل تدليك المساج للتخفيف القصير الأمد لآلام الرقبة، وفي المقابل كانت ثمة أدلة علمية ضعيفة لتلك الوسائل في حالات كثيرة من الآلام المزمنة الأخرى.
وعلى الرغم من أن هذه المراجعة العلمية لم تعطِ نتائج مفيدة بشكل مباشر في اعتماد دعم النصح الطبي باستخدام أنواع شتى من وسائل المعالجات غير الدوائية لحالات مختلفة وشائعة من الآلام المزمنة أو الحادة، فإنها محاولة مفيدة لضرورة البحث الطبي عن طرق أكثر فاعلية في إدارة معالجة الألم، قد تتضمن وسائل علاجية غير دوائية وقد تتضمن وسائل وقائية غير دوائية وقد تتضمن نوعية أفضل من الاهتمام الطبي بمشاعر الألم لدى المرضى وفي كيفية تعايشهم معه لتخفيف اللجوء إلى تناول أدوية تسكين الألم بأنواعها المحتوية أو الخالية من المواد الكيميائية المخدرة.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]