ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

«ويكيليكس»: لا وثائق عن روسيا

من الصعب تجاهل الشهادات والمقاربات النقدية لأداء جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس»، خصوصًا لجهة موقعه في التأزم ما بين الولايات المتحدة التي تركز عليها تسريبات وثائقه وبين روسيا التي باتت أشبه بالحاضنة والراعية له والمروجة لكشوفاته، والأهم من كل ذلك أنها الطرف الأقل عرضة لتسريباته، بل مستفيد منها. وهنا لا بد من الإقرار بأن جوليان أسانج تمكن منذ نحو عقد تقريبًا من قلب مفهوم الصحافة الاستقصائية بالكامل ونجح في تعرية اعتوارات المجتمعات الديمقراطية وأنظمة كثيرة، لكن من السذاجة الاستكانة إلى سخريته من الحملة الحالية ضده والاكتفاء بوصفه الانتقادات التي توجه إليه بأنها مجرد «مكارثية أميركية ضد روسيا».
هذا الرجل خاض نزاعات وصراعات دفاعًا عن الوثائق التي سربها، وهناك ملفات أمنية كثيرة بحقه جعلته مطاردًا في موطنه الأصلي السويد وفي دول مختلفة إلى أن انتهى به الأمر في سفارة الإكوادور في لندن تحت الإقامة الجبرية.
في الحملة الأخيرة ضده كانت أبرز الانتقادات ضد أسانج في تقرير شامل وغني نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» وفيه أثير سؤال مهم حول علاقة أسانج بروسيا في استعراض تاريخي للوثائق التي سربت ضد روسيا ومدى أهميتها وخفوت الاهتمام لدى «ويكيليكس» تدريجيًا في نشر وثائق تتعلق بحقائق يعرفها العالم عن الكرملين وتورطه في صراعات وانتهاكات كبرى في الداخل والخارج.
تزامن ذلك مع علاقة مهنية ربطت أسانج بقناة «روسيا اليوم» عدا عن الترويج الدائم له عبر الإعلام الروسي وعلى لسان الرئيس فلاديمير بوتين شخصيًا. صحيح أن ما سبق لا يعني أبدًا أن ما ينشر من وثائق ضد المرشحة هيلاري كلينتون وضد الإدارة الأميركية بالمطلق ليس صحيحًا، بل المطلوب كشف تلك الوثائق التي مهمتها الأولى المساهمة في مجتمعات شفافة وأكثر عدلا. لكن هنا تقف الصحافة الاستقصائية الحديثة التي يمثلها أسانج في موقع لا تحسد عليه لجهة محاولات استخدامها من قبل طرف ضد آخر فتتحول من وسيلة لكشف المنتهكين إلى غطاء لبعضهم.
ما بدا لافتًا في التقارير الصحافية التي تناقش حقيقة خلفيات أسانج شهادات لشخصيات عملت معه وانسحبت بعد الشعور بأن المعارك التي يخوضها أسانج، خصوصًا في مسألة الانتخابات الأميركية هي أقرب لأن تكون شخصية وثأرية وليس بهدف خدمة الصالح العام.
أي شخص مقتنع بدور الصحافة وأهميتها سيكون ضنينًا بخسارة موقع مثل «ويكيليكس» لمصداقيته، فهذا الموقع ومعه وثائق إدوارد سنودن ووثائق بنما أتت جميعها لتعلن حقبة جديدة لما باتت عليه الصحافة الاستقصائية في عصر الديجيتال، فيجري كشف تفاصيل تتعلق بالقتل العشوائي وبالفساد والنفاق السياسي، لذلك تكتسب الوثائق المتعلقة بالسلطات وأصحاب النفوذ أهمية، وهنا أيضًا يكمن خطر وقوع أشخاص مثل أسانج في فخ الأنا المتضخمة التي ترى نفسها تحارب جهات محددة دون أخرى. لقد سبق وأن أظهر أسانج شجاعة في كثير من مواقفه وتسريبات موقعه، لكن هناك ما يريب فعلا في الدور الروسي حيال عمله، وصمت أسانج عن ارتكابات روسيا ليس بتفصيل أبدًا.
صحيح أن أسانج هو العقل الذي وقف خلف «ويكيليكس» لكن من المخيب أن يختزل دور هذا العمل الصحافي في حسابات شخصية.