شرع الجميع يحلل في تداعيات مقتل المسؤول البارز لدى تنظيم الدولة أو «داعش» أبو محمد العدناني، ومال البعض إلى الجزم بأن الجماعة خسرت صوتها أو عقلها الإعلامي والدعائي، وأن الشخصية التي كانت تخاطب مشاعر مناصرين في الغرب قد أقصيت. فمقتل العدناني الذي يتنافس في تبنيه كل من الروس والأميركيين وناسبين مقتله إلى خيانات داخلية أفضت إلى القضاء عليه أتى في سياق المواجهة مع العقل الإعلامي والدعائي لـ«داعش».
لم يعرف عن العدناني كونه شخصية كارزمية، ولم تش التسجيلات الصوتية والصور التي ظهر فيها أي قدرات تواصل تميزه، بل على العكس فهو خلق كثيرًا من الصدامات والعداوات حتى أن مقارباته الدينية لقيت كثيرا من التنديد في أوساط جماعات منافسة. صحيح أن سيرته شهدت اضطرابات وتجنيد ما بين العراق وسوريا لكن لم يكن العدناني استثنائيا، فنجاحه تركز في قدرته على التقاط أمكنة الخلل والبناء عليها، فأشرف على الدعاية الخاصة بالتنظيم ونشر تسجيلاته، مستفيدا لأقصى الحدود من القوة المؤثرة التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي.. هل مقتل العدناني يعني بداية النهاية للتنظيم على نحو ما يحاول البعض القول؟
الأرجح أن الأمر ليس بهذه البساطة فقوة التنظيم أو حتى ضعفه بعد الضربات التي تلقاها ليست قائمة على شخصياته التي يتأرجح ظهورها الإعلامي ما بين إطلالة وحيدة لزعيمها أبو بكر البغدادي، أو ملثمة كما كان حال الجهادي جون، أو إطلالات ورسائل صوتية عابرة كما كان حال العدناني. على عكس التنظيمات المتطرفة الأخرى وتحديدا تنظيم «القاعدة» لم يستغل تنظيم الدولة شخوص قادته لمخاطبة المتعاطفين وتجنيد الاتباع، وهذا يبدو سياقا طبيعيا كون قوة التنظيم تنبع من الواقع والمحيط الذي استثمر فيه وليس لجاذبية ما في قادته أو حتى خطابه. فليس رائجا في ممارسات التنظيم الاحتفاء بإطلالات القادة قدر الاحتفاء بالقتل كما شهدنا في معظم الفيديوهات التي عكست أسلوبا دعائيا يمازج بين قوة الفعل أي القتل في أبشع صوره وقوة الصورة والإمكانات التقنية. ويبدو أن المشهدية الروائية التي رافقت الإعدامات الوحشية التي نفذها «داعش» كان للعدناني يد طولى في توليفها.
لقد تجاوز «داعش» مسألة الشخصية القائدة التي تتفاعل مع الجمهور، وكثرة عدد القيادات التي سقطت للتنظيم تظهر أنه لا يعتمد هذه الاستراتيجية، لذلك سيكون الاحتفاء بقتل العدناني على أهميته سذاجة إذا اعتقد البعض أن قتل تلك القيادات هو حل لمسألة هذا التنظيم البالغ الخطورة والوحشية.
السياسة الإعلامية للتنظيم ليست فقط صورا وقتلا، بل هي تقوم على وقائع بالغة الحساسية والتعقيد وهي تتغذى من مظلوميات ومؤامرات ومتطرفين وانهيارات كبرى لأنظمتنا الفاشلة ومجتمعاتنا المأزومة.
فليس من الحكمة إذن الارتكان إلى انتصارات عسكرية في وجه «داعش» الذي سنواصل العجز حياله ما لم نفكر في لحظات تأسيسه وأي أزمات أنجبته.
فإن سبب مقتل العدناني ضررا للآلة الإعلامية للتنظيم، فهذا يمكن أن يكون مؤقتا، بمعنى أن استمرار تأزم الوضع في العراق وسوريا وتحديدا استمرار بقاء الرئيس السوري بشار الأسد والقوى الداعمة له، فذاك كاف ليعاود «داعش» الاستثمار إعلاميا وأمنيا في مشاعر المظلوميات، وبالتالي استكمال نهج القتل والفناء..
نعم، لقد قتل العدناني لكن من المبكر القول إن «داعش» قد مات..
[email protected]
7:44 دقيقه
TT
مقتل العدناني.. لا «داعش»..
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة