تشارلز بلو
كاتب أميركي
TT

تعصب دونالد ترامب

أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرًا، أن صورة دونالد ترامب بصفته شخصًا متعصبًا بدأت تتبلور، وسبب التبلور المنطقي هو ببساطة أن هذا الرأي صحيح. فقد كشف استطلاع رأي أجرته جامعة «كوينيبياك» الأسبوع الماضي عن أن 59 في المائة من الأصوات المرتقبة بصفة عامة، و29 في المائة من الأصوات المرتقبة في الحزب الجمهوري يعتقدون أن الطريقة التي يتحدث بها ترامب لا تخلو من تعصب. كان الجمهوريون الاستثناء الوحيد لتلك القاعدة؛ إذ إن الغالبية أو ربما جميع من شملهم الاستطلاع في مختلف المدن – سواء ديمقراطيون أو مستقلون، رجال أو نساء، البيض من حملة الدرجات الجامعية أو الأقل تعليمًا من جميع الفئات العمرية، سواء البيض أو غير البيض – وافقوا على أن حديث ترامب لا يخلو من التعصب.
لكن هناك شريحة واحدة قريبة الصلة بترامب، وهي البيض من حملة الشهادات الجامعية.
أعلم أن ترامب تفاخر بأنه يحب الأقل تعليمًا؛ ولذا يبدو أن عاطفة الحب مفقودة بينه وبين حملة الشهادات من البيض. في الحقيقة، وبحسب «المدونة 538» على الإنترنت، فقد توقعت في شهر يوليو (تموز) الماضي أن «ترامب ربما يكون أول مرشح جمهوري خلال 60 عامًا يخسر خريجي الجامعات من البيض».
وكشف استطلاع أجرته محطة «ايه بي نيوز» وصحيفة «واشنطن بوست» الشهر الحالي، عن أن «ترامب يسبق منافسه بفارق 40 نقطة في الاستطلاع الذي شمل البيض ممن لا يحملون درجات جامعية، لكنه لا يتفوق إلا بنقطة واحدة عن منافسه في فئة خريجي الجامعات من البيض. وفي فئة النساء البيضاوات من دون درجات جامعية، لا يتقدم إلا بفارق رقمين، ويتأخر بفارق 20 نقطة بين خريجات الجامعة من البيض».
لن تتراجع النسوة البيضاوات عن تأييد رجل بتن يعتبرنه متحيزًا لآخرين فحسب، لكنهن ربما يدركن أيضًا مكانهن كجماعة سيئة الحظ تاريخيًا، بل أصبحن يدركن مدى خطورة مثل هذا التحيز.
بالتأكيد، فإن مثل هذا الخبر يعتبر مزلزلاً بالنسبة لحملة انتخابية كبيرة؛ ولذلك فإن ترامب وهو في قمة يأسه، يلقي أي شيء وكل شيء إلى الحائط ليرى إن كان سيلتصق؛ وذلك بهدف إزالة وصمة التعصب عن نفسه وليجعلها تلتصق بهيلاري كلينتون. حاول ترامب الدخول في رابطة زائفة مع الناخبين الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية ليعطي جماهيره البيضاء فترة راحة من الكلام الذي طالما كرره على مسامعهم عن الرعب الأسود وكآبة حياة السود، بعد أن تحدث بغموض متزايد عن تشدده إزاء المهاجرين المقيمين في البلاد بشكل غير قانوني.
سمعناه يتنكر من السود ومن ذوي الأصول الإسبانية قائلا: «ماذا ستخسرون؟»، لكن في الحقيقة، فإن حديثه يمتد إلى أبعد من السود وذوي الأصول الإسبانية، وتحديدًا إلى مجموعتين أبدى اهتمامًا ضئيلاً بهما. فهو يتحدث بشكل مباشر إلى المتعلمين البيض الذين تراجعوا عن تأييد مرشح متعصب. فالسود وذوو الأصول الإسبانية هم مجرد بيادق يستخدمها الآن للوصول إلى هدفه. بالإضافة إلى ذلك، فهو يسعى إلى إبعاد ضوء الاختبار عن نفسه، وعن تاريخه، وعن إحساس الارتياح الذي يشعر به وسط البيض، ليسلط هذا الضوء على تاريخ العنصرية وعلى التحالفات العرقية في الحزب المنافس، في محاولة واضحة لتشتيت الانتباه.
تبقى حقيقة، أن لحملة ترامب نغمة تعصب تتخطى حدود المشكلات الاقتصادية ومحن البيض في الولايات قليلة الحظ التي يشعر سكانها بالتجاهل في ظل السياسة التقليدية السائدة.
قد يكون هذا أحد المكونات، لكن من ضمن المكونات الجوهرية أيضًا أن أكثر أحاديث حملة ترامب تأثيرًا هي تلك التي يعتبر العنصرية وقودها الأساسي، وهي التي تشكل مضمون رسالته. هذه ليست رسالة حزبية، لكنها حقيقة مبنية على الملاحظة والاختبار.
فقد كشف بحث أعده الباحث الاقتصادي بمعهد «غالوب» جوناثان روثويل، عن أن «مؤديه هم الفئة الأقل تعليمًا، وغالبيتهم من العمال الذين يعملون في الأعمال المهنية، لكنهم من أصحاب الدخل المرتفع، ويعيشون في مناطق تجارية. هناك دلائل قوية على أن الانعزالية العنصرية والإجراءات الاقتصادية غير المشددة المرتبطة بالشأن الاجتماعي، مثل الصحة والتغييرات الاجتماعية، كلها تعبر عن النظرة التفضيلية لترامب، وكلها عناصر تنبئ بالدعم له وحده، لا لغيره من مرشحي الرئاسة من الحزب الجمهوري».
فيما يخص نقطة العزلة العنصرية تحديدًا، فقط وصفها روثويل قائلا: «يعطي هذا التحليل دليلاً قويًا على أن الناخبين الذين يؤيدون ترامب يعيشون في مناطق تتسم بالانعزالية العنصرية والثقافية. ناهيك عن بعض العناصر الأخرى، يتركز الدعم الكبير لترامب في المناطق التي يقل فيها عدد خريجي الجامعات، والتي تقع بعيدًا عن الحدود المكسيكية، والتي يسكنها أغلبية بيضاء انعزاليون أقل اختلاطًا بالسود والآسيويين وذوي الأصول الإسبانية».
العزلة العنصرية هي الخيط المشترك هنا، فهي ما سيدفع مؤيدي ترامب بسهولة إلى قبول الميثولوجيا البغيضة التي يروجها عن الأقليات. هي العزلة العنصرية نفسها التي ستجعل الناخبين من الأقليات وخريجي الجامعات البيض يتحاشون التصويت لترامب كما يتحاشى الناس وباء الطاعون.

* خدمة «نيويورك تايمز»