مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

جبال الكحل تفنيها المراود

إليكم هذه الحادثة الخيالية:
يروى أنه يوم كانت إنجلترا في يوليو (تموز) 1940 تواجه العدو وحدها، أرسل هتلر إلى تشرشل يدعوه إلى مؤتمر سري في باريس، فوصل تشرشل بالطائرة فأرسل إلى قصر (فونتنبلو) حيث كان هتلر وموسوليني ينتظرانه جالسين إلى مائدة شاي قرب بركة السمك المشهورة.
فلم يضيع هتلر وقته في حديث لا طائل تحته بل قال: «هذا ما أريد أن أقوله لك يا تشرشل، إن إنجلترا قد قُضي عليها، ونصيحتي لك أن توقّع هذه الوثيقة معترفًا بأن إنجلترا قد خسرت الحرب، فتنعم أوروبا كلها بالسلام غدًا».
فقال تشرشل هادئًا: «يؤسفني أنني لا أستطيع أن أوقع، فأنا لا أوافق على أننا خسرنا الحرب»، فصاح هتلر وهو يخبط بقبضته على المائدة: «هذا هراء.. ألا ترى الدلائل الواضحة»؟
فرشف تشرشل رشفة من (كأس الوسكي) الذي أمامه وقال: «نحن نعمد في إنجلترا إلى الرهان للبت في خلاف في الرأي.. أتريد أن تراهنني فمن يخسر الرهان يسلم بأنه قد خسر الحربـ»؟
فسأل هتلر مستريبًا: وما هو الرهان؟!، فقال تشرشل: أترى هذا السمك الكثير في البركة؟ فرد عليه: نعم، وقال: إذن، فلنتراهن على أن أول من يستطيع أن يمسك سمكة منها دون أن يستعين بأساليب الصيد المألوفة يكون هو الذي كسب الحرب.
فرد عليه هتلر حاسما: «قبلت الرهان وأخرج من جيبه مسدسًا وأطلقه على أقرب السمك إليه ولكن الماء حرف الرصاصة ومضت السمك سابحة دون أن تصاب بأذى»، فصاح هتلر بموسوليني: «موسو، هذا دورك الآن، وقد قيل لي إنك سباح بارع، فإلى البركة إذن. فخلع موسوليني ثيابه ووثب إلى البركة، وعلى شدة ما حاول وما أجهد كان السمك ينفلت من يده، فلما بلغ به التعب خرج من البركة فارغ اليدين».
فقال هتلر: «هذا دورك يا تشرشل، فلنرَ ما تستطيع أن تفعل»!
فدنا تشرشل من البركة وغمس في مائها ملعقة الشاي الصغيرة وأخرج قليلاً من الماء ورمى به وراء ظهره، ثم أعاد الكرة ثانية وثالثة.
وراقبه هتلر مشدوهًا وقال وقد عيل صبره: «ما هذا الذي تفعله يا غبي»؟!
فرد تشرشل دون أن يكف عن نزح الماء: «أعرف أنه سيستغرق زمنًا طويلاً ولكننا سوف نكسب الحرب». انتهى.
ولا أنسى كلمة أستاذي (عزيز ضيا) رحمه الله عندما قال:
لا تيأس يا مشعل، فجبال الكحل تفنيها المراود.
وللأسف فبدلاً من أن أتبع نصيحته بالكد والجهد والعمل والمثابرة، أصبح لا هم لي إلا «الصياعة» والتطلع في الكحل في عيون الغواني.