روث ماركوس
صحافية اميركيّة
TT

أخطر تعليقات ترامب على الإطلاق

من بين كل التعليقات الخطيرة التي تفوّه بها دونالد ترامب، قد يبقى أكثرها إثارة للقلق تأكيده أن الانتخابات قد تتعرض للتزوير. ويحمل هذا التصريح غير المسؤول، مؤشرات لا تنبئ بالخير بالنسبة لسلوك ترامب حال تعرضه للخسارة، الأمر الذي تزداد احتمالاته يومًا بعد آخر.
كان ترامب قد حذر خلال مؤتمر انتخابي في أوهايو من أن «الانتخابات ستتعرض للتزوير». وفي تصريحات إلى سيان هانيتي، من قناة «فوكس نيوز»، قال: «أخبرك من الآن، في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) ينبغي علينا التحلي بالحذر، لأن الانتخابات سيجري تزويرها».
وتمهد مثل هذه التصريحات الساحة أمام تداعيات كارثية لم يسبق أن شهدتها البلاد من قبل، فليس من المستبعد أن يحرّض ترامب أنصاره من أبناء حزبه على رفض ما اختاره الناخبون، الأمر الذي سيزيد المناخ السياسي العام المتوتر في واشنطن تفاقمًا.
ومثلما سعى الجمهوريون لضمان فشل الرئيس أوباما منذ لحظة إعلان انتخابه، فالمؤكد أن كراهيتهم لوصول هيلاري كلينتون إلى سدة الرئاسة ستكون أكبر بكثير - حتى من دون وجود ترامب. والمؤكد أنه حال فوزها، ستدخل كلينتون البيت الأبيض شخصية مثيرة للانقسام على نحو بالغ، خصوصًا في ظل هجوم الجمهوريين عليها، باعتبارها غير مؤهلة لتولي مثل هذا المنصب، بالنظر إلى موقفها أثناء الهجوم الذي وقع ضد السفارة الأميركية ببنغازي، أو مسألة تبادلها الرسائل الإلكترونية الخاصة بالعمل عبر عنوان البريد الإلكتروني الشخصي لها.
حال نجاح كلينتون، فإن ذلك سيعني حرمان الجمهوريين من الوصول إلى البيت الأبيض على مدار ثلاثة انتخابات متتالية، وهي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1948. وحال استعادة الديمقراطيين السيطرة على مجلس الشيوخ، فإن الجمهوريين سيكون لديهم حافز قوي لأن يعيقوا أي مبادرة تطرحها كلينتون، خصوصًا إذا ما وضعوا نصب أعينهم الخريطة السياسية لعام 2018 - عندما يخوض 25 ديمقراطيًا وثمانية من الجمهوريين فقط إعادة الانتخاب. وسيبذل الجمهوريون قصارى جهدهم لقصر رئاسة كلينتون على فترة واحدة فحسب، بل وقصر هذه الفترة الواحدة على عامين.
ولك أن تضيف إلى هذا الوضع القبيح المتوقع مرشحًا خاسرًا يعمد إلى إثارة أنصاره بتأكيده أن الانتخابات تعرضت إلى التزوير وسرقت منه بصورة ما، وهنا سنجد أنفسنا أمام مشهد مهيأ لنمط من الاضطراب والفوضى، لم تعرفه الولايات المتحدة من قبل.
وأول ما يرد إلى الذهن هنا صورة آل غور وتصرفه النبيل بالتنازل أمام جورج دبليو. بوش. كان المرشح الديمقراطي قد فاز بالأصوات الشعبية للناخبين، وكان لديه كل الحق للاعتقاد بأنه كان الأحق بالفوز بأصوات المجمع الانتخابي.
ورغم ذلك، وفي أعقاب الحكم الصادر عن المحكمة العليا، تحدث آل غور عن عقده لقاء مع بوش بهدف «الشروع في رأب الصدوع التي ظهرت خلال فترة الحملة الانتخابية والتنافس الانتخابي». كما استشهد بالعبارة التي أطلقها السيناتور ستيفين دوغلاس لدى هزيمته أمام أبراهام لينكولن، حيث قال: «آن الأوان للمشاعر الحزبية أن تنسحب أمام المشاعر الوطنية». وأضاف غور: «هذه هي أميركا. نحن نقدم وطننا على الحزب. وسنقف معًا خلف رئيسنا الجديد».
في المقابل نجد أن تاريخ ترامب وتصريحاته الحالية توحي بقوة بأنه سيتصرف على نحو مغاير تمامًا وأقل رقيًا بكثير، لو أنه واجه الموقف ذاته. ويمكننا العودة هنا إلى سيل تغريدات ترامب عبر موقع «تويتر» عام 2012، في أعقاب خسارة ميت رومني في الانتخابات الرئاسية.
في واحدة من هذه الرسائل، كتب ترامب أن الرئيس «خسر التصويت الشعبي بفارق كبير، ومع ذلك فاز بالانتخابات. ينبغي أن تندلع ثورة بهذه البلاد»، وذلك على الرغم من أن أوباما، حقيقة الأمر، فاز بالتصويت الشعبي وأصوات المجمع الانتخابي. وفي غضون دقائق، كتب: «المجمع الانتخابي المحتال جعل من أمتنا أضحوكة». وكتب بعد دقائق أخرى: «ينبغي أن نخرج في مسيرة باتجاه واشنطن ونوقف هذه المهزلة».
ورغم كل ما قاله ترامب، فإن الانتخابات لم تكن «مزورة تمامًا». كما أن المجمع الانتخابي منصوص عليه في الدستور. أما الدعوة إلى الثورة، فلك أن تتخيل لو أن الخاسر هو ترامب ذاته نفسه!
خلال مقابلة أجراها معه فيليب روكر من «واشنطن بوست»، طرح ترامب رؤية مثيرة للقلق، حيث سأله روكر حول أن الولايات المتحدة لديها تقليد يقوم على أن الخاسرين «يقرون بهزيمتهم بنبل، ويحاولون دفع أنصارهم على الالتفاف حول الرئيس الجديد، مثلما فعل آل غور عام 2000، فهل ستفعل ذلك؟».
وأجاب ترامب: «لا أودّ استباق الأحداث، ولا أودّ الحديث عن الأمر. كل ما أقوله هو أنني لن أفاجأ إذا حدث ما يشوب الانتخابات.. هناك كثير من الحيل القذرة في الانتخابات، بمعنى أن تكون الانتخابات قد تعرضت للتزوير».
ومن بين الأدلة التي يسوقها ترامب للتأكيد على إمكانية تزوير الانتخابات، سلسلة من الأحكام القضائية التي تقضي ببطلان قوانين الهوية الشخصية للناخبين. وادعى ترامب في حديثه إلى روكر بأن «الوضع الخاص بهوية الناخبين اتضح أنه غير منصف على الإطلاق. وربما كان هناك أشخاص أدلوا بأصواتهم 10 مرات».
إلا أنه ليس ثمة دليل على أرض الواقع يشير إلى حدوث ذلك، أما الخطر الذي يمثله ترامب، فربما لا يتلاشى مع خسارته الانتخابات.
* خدمة «واشنطن بوست»