طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

تراشق فني مجاني!

ألم تكفنا كعرب الخلافات السياسية، حتى نضيف إليها بأيدينا ومع سبق الإصرار والترصد خلافاتنا الثقافية والفنية؟ قبل بضعة أيام وفي أكثر من حوار أعلن هاني شاكر نقيب الموسيقيين المصريين غضبه من مهرجان «جرش» الذي افتتح دورته رقم 31 قبل أسبوع لعدم وجود مطرب مصري في المهرجان الأردني، وكتب عبر صفحته معاتبًا: «شكرًا على احترامكم وتقديركم للفن المصري والفنانين المصريين»، رد عليه نقيب الفنانين الأردنيين ساري الأسعد قائلاً: «إن مهرجان جرش أكبر وأعمق من فكرة المحاصصة». أتمنى أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، وأن ننظر إلى أبعد من تلك الدائرة المحدودة القاصرة. المهرجان طوال تاريخه يحتفي بالغناء العربي بغض النظر عن جواز السفر، هذا مصري وذاك كويتي وتلك مغربية، وهو بالقطع لا يستطيع أن يُقدم في كل دورة 22 مطربًا عربيًا حتى يتم تمثيل مختلف الأطياف العربية، وهو بالإضافة للمطربين النجوم، يحتفي بالفرق الجماعية الغنائية التي تغطي جغرافيًا عالمنا العربي.
وأتعجب من تلك النظرة التي ترى أن المطرب الذي يصعد على خشبة المسرح هو فقط الذي يمثل بلده. من أشهر المطربين الذين شاركوا في المهرجان هذه الدورة، وائل كافوري وكاظم الساهر وسعد المجرد ولطيفة، هل تمثل لطيفة الغناء المصري أم التونسي؟ نعم هي تحمل جواز سفر تونسيًا، ولكن أغانيها تأليفًا وتلحينًا وعزفًا مصرية، فهل الشعراء والملحنون والفرقة الموسيقية المصرية كل هؤلاء في عُرف هاني شاكر لا يمثلون مصر.
قبل أيام أعلنت جوائز مهرجان «وهران» السينمائي، حصلت مصر فيه على أغلب الجوائز، بينما الجزائر البلد المضيف خرج بالقليل منها، هل مثلاً من حق نقيب الفنانين الجزائريين الاعتراض بسبب عدم حصول الجزائر على القضمة الكبرى من «تورتة» الجوائز.
قبل أسبوعين ضمت مسابقة «الأوسكار» الأميركية لأول مرة أربعة مخرجين عرب؛ باسل خليل (فلسطين) وناجي أبو نوار (الأردن) وهيفاء المنصور (السعودية) وعبد الله كشيش (تونس)، البعض في القاهرة بدلاً من أن يشعر بالاعتزاز يسأل أين المخرجون المصريون؟ رغم أن الأكاديمية الأميركية الدولية لعلوم وفنون السينما المانحة للأوسكار، أرادت تمثيلاً عربيًا، ولم تتعمد استبعاد دولة بعينها، ولكن من الواضح أن الاختيار كان يتوجه لعدد من المخرجين العرب ترشحوا بالفعل من قبل للجائزة.
في كل المهرجانات ولجان التحكيم والمسابقات هناك تفاصيل كثيرة تحيط بالاختيارات؛ مثلاً مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية الذي يقام سنويًا في دار الأوبرا المصرية، لديه رغبة منذ أكثر من عشرين عامًا لاستضافة المطربة الكبيرة فيروز وتكريمها، إلا أن المفاوضات في النهاية تتعثر ولا تأتي فيروز، فهل هذا يعني أن هناك مأزقًا ما بين فيروز والمهرجان، أو بين مصر ولبنان؟ المؤكد أن تلك رؤية قاصرة لا محل لها من الفن والإبداع، من الممكن أن يسعى مثلاً مهرجان «جرش» لاستضافة عمرو دياب وتامر حسني وشيرين وتتعثر المفاوضات بسبب معوقات إنتاجية، فهل نحيلها لقضية سياسية.
هاني شاكر منذ أن صار نقيبًا وهو يبدد طاقته في كثير من المعارك الهامشية، مثل مراقبة ملابس المطربات في الحفلات، رغم أن هذا من اختصاص شرطة الآداب، لو وجدت أن هناك تجاوزًا يعاقب عليه القانون، وإذا كان من الممكن أن يعتبر البعض أن الحفلات التي تقام في مصر شأن مصري يتدخل فيه النقيب بمراجعة الملابس النسائية، فما مبرراته لكي يمارس سلطته أيضًا على المهرجانات العربية، وبدلاً من أن يؤدي الفن للتقارب العربي، يزيد بهذه التصريحات المتعجلة مساحات الخلافات المجانية!