نديم قطيش
إعلامي وكاتب سياسي لبناني، عمل مقدماً لبرنامج «دي إن إيه» اليومي الساخر الذي بُث على شاشتي «العربية» و«المستقبل». يقدم حالياً برنامج «الليلة مع نديم» على شاشة «سكاي نيوز عربية» الذي يجمع فيه بين السخرية والتعليق السياسي الجاد.
TT

شكري في تل أبيب: الكلام فلسطيني والأجندة مصرية

هل من داعٍ للتفاؤل فلسطينيًا بزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لتل أبيب؟ الزيارة، الأولى من نوعها خلال تسع سنوات من السلام المصري - الإسرائيلي البارد، وصفت بـ«التاريخية». «دفء» التصريحات المصرية خلالها، ودفء المشهدية التي مثلتها صورة شكري وبنيامين نتنياهو يتابعان نهائي كأس الأمم الأوروبية في منزل نتنياهو، لافتة حتى بالمعيار المصري وتاريخ علاقات البلدين في ضوء اتفاقية السلام.
في الإعلام رُبطت زيارة شكري بما بات يعرف بـ«خطاب أسيوط» الذي ألقاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 17 مايو (أيار) الماضي، حين اختار مناسبة افتتاح معمل كهرباء، ليتحدث عن مبادرة سلام إسرائيلية فلسطينية.
الواقع أننا أمام لحظتين مختلفتين.
خطاب السيسي، سبقته جهود وعملية تنسيق معقدة قادها رئيس الوزراء البريطاني السابق والمبعوث السابق للجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، مع عدد من الدول العربية المركزية، وأيضا مع إسرائيل طالت عناوين حساسة حول عملية السلام. كان رهان بلير يقوم على تشكيل حكومة وفاق وطني في إسرائيل، عمل عليها مباشرة مع نتنياهو وزعيم المعارضة إسحاق هرتزوغ. فشلت جهود بلير وذهب نتنياهو إلى اتفاق سياسي مع اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان، وبدا أن مبادرة بلير ستنضم إلى سابقتها كالمبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام أو جهود سبقتها ودامت أشهرًا قادها وزير الخارجية الأميركية جون كيري من دون نتيجة.
زيارة شكري تأتي بعد تشكيل حكومة نتنياهو، التي لا توحي تركيبتها بأي أفق ذي صلة بالسلام!
لا شيء يشير حتى الآن إلى أن إنقاذ مبادرة بلير سيكون سهلاً، وهو بالمناسبة عاد وزار نتنياهو الاثنين الماضي بعد زيارة شكري. عشية إعلان اتفاق نتنياهو - ليبرمان، حاول بلير أن يعطي مبادرته دفعًا جديدًا بكشفه عن مرونة عربية حول الأطر العامة لمبادرة السلام ووجود فرصة أن تقدم بعض الدول العربية على خطوات تطبيعية مع إسرائيل بموازاة إجراء مفاوضات إسرائيلية فلسطينية جدية، وفي الوقت نفسه قال، إن مبادرة السلام العربية هي الأمثل للقضية الفلسطينية. بعده بأيام قليلة قال وزير الخارجية السعودية عادل الجبير إن مبادرة السلام العربية لعام 2002 ما زالت أفضل عرض لتسوية الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية، وإنه لا يمكن تعديلها.
الموقف الحقيقي لنتنياهو حمله إلى العاصمة الأميركية قبل أسابيع، خلال زيارة غير معلنة، السياسي الإسرائيلي عاموس جلعاد، رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وأحد قادة الظل في إسرائيل. من التقوا جلعاد فهموا منه أن إسرائيل «متمسكة بمبدأ السلام كحل مع الفلسطينيين»، وهي صياغة عادة ما تكون مقدمة لتبرير لماذا لن يكون هناك سلام قريب. جلعاد عرض في واشنطن ثلاثة أسباب تمنع التفاؤل، بانطلاق أي مبادرة سلام.
أولاً، الإفلاس القيادي الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية.
ثانيًا، استحالة أن تكون حماس، كبديل، شريكًا في أي عملية سياسية بأفق اتفاقية سلام.
ثالثًا، ضعف المشروعية الجامعة لأي وريث لعباس تسمح له بالانخراط في مفاوضات قد تنطوي على تنازلات مؤلمة، مما يعني أن عملاً جبارًا ينتظر أي قيادة فلسطينية جديدة لتنظيم البيت الداخلي أولاً، داخل فتح ومنظمة التحرير وعلى المستوى الفلسطيني العام، لتجميع مشروعية فلسطينية قادرة على الذهاب نحو اتفاق.
ما لم أسمع أن عاموس جلعاد قاله حرفيًا، فهمت أنه أوحى به. فالمنظور الاستراتيجي الإسرائيلي أقله في حقبة ازدهار اتفاقية أوسلو قام على قاعدة أن الاتفاق مع الفلسطينيين يفتح أبواب العالم العربي. هذا بالفعل ما قامت عليه مبادرة السلام العربية والمُعاد طرحها مجددًا اليوم. ما تريده إسرائيل شيء آخر. تفاهم مع العرب يفتح أبواب السلام مع الفلسطينيين في ظل غياب قيادة فلسطينية قادرة وفي ظل انهيار المشروع الوطني الفلسطيني.
هذه مسألة في غاية الحساسية فلسطينيًا وعربيًا. وهي تنطوي على اعتقاد إسرائيلي أن ما لم يقبل به الفلسطينيون وظل العقبة الحقيقية أمام أي سلام، قد يقبل به العرب، وهو إيجاد حل رمزي جدًا لحق العودة. هذه حقيقة مرة يناور الجميع حول الاعتراف بها. لا سلام ممكن، إلا ويعني تسوية مؤلمة فلسطينيًا وعربيًا بشأن حق العودة. ولا تسوية مؤلمة حول حق العودة، إن أمكن الوصول إليها، إلا وتعني مسؤوليات عربية وغربية كبيرة لامتصاص الشتات الفلسطيني من دون تفجير دول من جراء ذلك كلبنان والأردن!
المفارقة أنه تتوفر أرضية أخصب لعلاقات عربية - إسرائيلية، ومصرية - إسرائيلية بالتحديد تمليها الضرورات الاستراتيجية. التقاء عربي إسرائيلي على أولوية الخطر الإيراني وإرهاب «داعش» (لا سيما في سيناء واحتمالات تمدد «داعش» في غزة). مرونة تركية إسرائيلية مستعادة، مما يعني قدرات تركية أكبر على المناورة وانتزاع حصة أكبر من كعكة الأدوار الإقليمية في الإقليم وربما إعادة توضيب مشروع إسلام سياسي جديد لمواجهة التطرف، وهذا خطر سياسي استراتيجي بالنسبة لمصر. حيوية إسرائيلية تجاه اللاعب الصاعد في الإقليم، أي روسيا، حليف مصر الجديد في ليبيا. هجوم دبلوماسي إسرائيلي باتجاه أفريقيا، أي العمق الاستراتيجي المائي المصري.
زيارة شكري مهمة بلا شك. وهي قد تساعد على خلق خطوات صغيرة يؤدي تراكمها إلى خلق مسار نحو سلام، لا يزال يبدو بعيدًا.. بعيدًا جدًا!
أقصى ما يمكن حصاده هو زخم يساعد أوباما على استخراج قرار دولي نهاية العام يضع إطارًا أمميًا لقضايا الحل النهائي! مجرد قرار جديد.