باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

خلط جديد لأوراق الصراعات في الشرق الأوسط

مرة أخرى تشهد «لعبة» الشرق الأوسط المتفجرة والدامية خلطا للأوراق في أيدي اللاعبين، ابتداء بتحرير الفلوجة من براثن «داعش» - وبأي ثمن؟ - وانتهاء بسلسلة التفجيرات الانتحارية التي طالت مدنا عربية وأوروبية عدة. مع استمرار القصف الجوي الدولي والروسي وإعلان واشنطن للمرة الخامسة أو السادسة عزمها على تسليح وتدريب بعض الفصائل المعارضة في سوريا، وزيادة عدد الخبراء والمدربين العسكريين في العراق... ومصالحة تركيا مع موسكو وتل أبيب، وما تردد عن مصالحة مصرية - تركية، ومن فتور بين العراق وتركيا.
ولسوف يستمر القتال وخلط الأوراق وتشابك مصالح، وخطط المتقاتلين المحليين والإقليميين والدوليين ستة أشهر، على الأقل ريثما يتسلم الرئيس الأميركي الجديد مهامه، وعلى الأرجح سنة أو سنتين أو أكثر.. إلى أن تتحول المدن السورية والعراقية إلى فلوجة أخرى، أي إلى أطلال، ويتشرد ملايين جديدة من أبناء البلدين.. هذا إذا بقي العراق كيانا قائما ودولة موحدة.
هذا الجنوح إلى التشاؤم قد لا يتبناه بعض المراقبين، الذين يذكرون بأن المسؤولين العرب والمسلمين، سيتوصلون غدا أو بعد غد إلى حلول سياسية توقف التقاتل، وأن الدول الكبرى رغم تضارب مصالحها وأهدافها، ولا سيما بعد أن انتقل العنف والإرهاب إلى أراضيها، ستلتقي عند ضرورة حسم هذه المأساة الانتحارية التي يجري تمثيلها في منطقة الشرق الأوسط، وبدأت نيرانها تمتد وتلقي بوزنها جديا لحسم المعارك.
في الواقع أن الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط ليست كغيرها من الحروب الكلاسيكية التي عرفها التاريخ. لقد وصفها البعض بـ«اللامتوازنة»؛ نظرا لكونها قائمة بين جيوش نظامية وتنظيمات ثورية تعتمد الإرهاب والسيارات المفخخة والانتحاريين أسلحة لها. إلا أن احتلال «داعش» لقسم من الأراضي السورية والعراقية شكل عنصرا قتاليا جديدا يخفف من صفتها اللاتوازنية، ويعزز تحولها إلى كلاسيكية تفرض المواجهة العسكرية على الأرض.
هذا نظريا، أما واقعيا، فإن المؤشرات المستقبلية تدفع بالحروب الشرق - أوسطية نحو انحرافات خطيرة، منها احتمال وصول مرشح الجمهوريين إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة وفي دول أوروبية أخرى عدة. ومنها التحولات الجديدة في السياسة الخارجية والشرق - أوسطية التركية وتطور القضية الكردية، وخصوصا المشروع الإمبريالي الإيراني. فهذه مستجدات تبدو مرجحة اليوم، وحتى إشعار آخر.
ولا ننسى إيران التي رفض الكونغرس الأميركي بيع طائرات أميركية لها، كما اعترضت واشنطن على تطوير أسلحتها الصاروخية. فالهدنة التي قامت بين طهران وواشنطن بات لونها يشحب. وأيضا قضية الأكراد السوريين مع تركيا.
ويبقى السؤال الكبير، ألا وهو مستقبل الإرهاب الجديد الذي بات يمتد شرقا وغربا. فتصفية «داعش» في العراق وسوريا سيقلص حتما من حجم التنظيمات الإرهابية وطاقته، ولكن - وباعتراف كل الأطراف - لن يقضي عليه.
وإنها لمعركة طويلة.. سياسية وحربية وفكرية واقتصادية قد تمتد إلى دول أخرى غير التي تحتدم فيها اليوم. فهل تتحقق رؤية هنتنغنون وتتحول إلى مجابهة حضارات؟ أم أن الدول الإسلامية ستتولى الأمر، وتقف بحزم ضد هذا الانحراف بالدين وارتكاب الفظائع باسمه؟ وهل ستكتشف الدول الكبرى وتعترف بالأخطاء التي ارتكبتها بحق العرب والمسلمين، وفي طليعتها انحيازها لإسرائيل وتدخلها العسكري في المنطقة. فيخفف اعترافها من غضب الشعوب العربية والإسلامية ونقمتها عليها؟
إنها حرب طويلة تلك التي اندلعت في الشرق الأوسط، وهي لا تقتصر على الأعمال الحربية التي تجري على الأرض وفي الجو، بل إنها ظاهرة دخول العلاقات بين الدول وبين البشر عصرا، بل عالما جديدا.