رجب طيب أردوغان انتصر فمن انهزم أمامه؟
تحالف الشعب الجمهوري والحزب القومي وحركة العلامة فتح الله غولن وبعض المؤسسات الإعلامية داخل تركيا وخارجها هم في طليعة الخاسرين والمنهزمين.
خاسر آخر ربما هو حزب السعادة الإسلامي الذي أسسه الراحل نجم الدين أربكان الذي قبل التعاون والانفتاح على هذا التكتل مستغلا الفرصة للانقضاض على العدالة والتنمية وتصفية الحسابات معه فتراجعت أصواته من خمسة في المائة إلى واحد في المائة فقط دافعا الثمن الباهظ الذي قد يبعده تماما عن المشهد السياسي في تركيا.
فشل هذا التحالف الذي توحد بعيدا عن الأضواء ليس فقط في إسقاط رجب طيب إردوغان بل حتى في محاولة إضعاف حزب العدالة والتنمية سياسيا وشعبيا مستغلا كل أنواع الأسلحة ومن مختلف العيارات كما قالت النتائج المعلنة حتى الساعة حول انتخابات البلدية التي شهدتها تركيا يوم الأحد المنصرم.
معركة كسر العظم كانت في العاصمة أنقرة التي أرادت المعارضة أن تنتزعها من إردوغان في محاولة لتسجيل انتصار رمزي ومعنوي يتيم على الأقل يساعدها على قول شيء ما لقواعدها، لكن جهودها باءت بالفشل كما يبدو أيضا.
مشهد موجع حقا أن نرى القوميين الأتراك المتشددين الذين دخلوا لعقود في مواجهات آيديولوجية واحتراب سياسي مع اليساريين العلمانيين يتوحدون وراء مرشح الشعب الجمهوري منصور يواش المعروف بخلفيته اليمينية القومية والذي اختاره العلمانيون الأتاتوركيون لإسقاط مليح غوكشاك مرشح العدالة والتنمية في أنقرة يدعمهم جماعة غولن في خندق واحد طمره إردوغان بمن فيه كما قال. المؤلم أكثر أن يدعو إردوغان في كلمته بعد إعلان النتائج غير الرسمية المعارضة لإعادة تنظيم صفوفها بأسرع ما يكون مطالبا قواعدها الشعبية أن تتحرك باتجاه تغيير قياداتها التي فشلت أكثر من مرة في تنفيذ وعودها وخيبت آمال مناصريها وتركت الحزب الحاكم يقوم هو أحيانا بهذه المهام. دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية تجاهل كل هذا الكلام والنصائح رغم أنه لم يحقق أي صعود أو أي تقدم يذكر وقال إن المواجهة مع الفساد والرشى مستمرة وهي ورقة سياسية لن تنفعه كثيرا أمام المشهد الانتخابي الذي تتناقله وسائل الإعلام.
أما كمال كيليشدار أوغلو الذي وعد اليسار التركي بمفاجأة كبيرة وبتلقين العدالة والتنمية الدرس، فهو يعيش صدمة منعته كما يبدو من الظهور أمام شاشات التلفزة ليقيم نتائج الانتخابات حتى لحظة كتابة هذا المقال.
مقاربة بسيطة جدا للمتابعين لو افترضنا أن نتائج الانتخابات المحلية المعلنة اليوم هي رسمية ومحسومة وافترضنا أيضا أن الأرقام تنطبق على نتائج انتخابات برلمانية في البلاد لكانت حصة العدالة والتنمية فيها تخوله التفرد مرة أخرى ولأربع سنوات جديدة في إدارة شؤون البلاد وتسهل له طريق إعلان دستور جديد وإطلاق حركة تغييرات واسعة دون حاجته إلى أي صوت برلماني من أصوات المعارضة.
إردوغان قال كلاما قاسيا لا يحمل أي رسائل مشجعة لمعارضيه في احتمال أن يكون هو من يقدم على الخطوة الأولى نحو الهدنة والتهدئة.
هو سأل أنصار جماعة فتح الله غولن وشركاءهم ما الذي سيفعلونه الآن بعدما انتصرت الديمقراطية في تركيا.
وقال: إن الدرس الأول الذي يعنينا بعد إعلان النتائج هو معرفة أسباب عدم حصولنا على 60 في المائة من مجموع الأصوات بينما ستتحركون أنتم في المعارضة للاستنجاد بأشرطة مفبركة جديدة. قال لهم: راهنتم على اقتصاد يتدهور ورؤوس أموال أجنبية تغادر وعلى أن أستقل أول طائرة مغادرة هربا.
لكنني صامد هنا كما ترون رغم كل حملات الافتراء والتشهير والتحقير.
إردوغان ذكرهم أن المنهزم هو من حاول قطع الطريق على مسار الملف الكردي ومن حاول اقتحام أهم مؤسسات الدولة والتجسس على قياداتها السياسية والأمنية والستاتيكو المعروف الذي يحاول توجيه السياسة في البلاد بأوامر من الخارج.
رسالة إردوغان الذي اصطحب أسرته التي كانت هدفا للمعارضة في الأسابيع الأخيرة إلى شرفة مقر الحزب الرئيس في أنقرة وهو يلقي خطاب النصر أمام جماهيره، جاءت وكأنه ينتقم من الذين أقحموا عائلته في هذه المواجهة، لكن الانتقام الحقيقي سيكون ما إن تخرج تركيا من أجواء الانتخابات كما ردد.
بعد الآن المعارضة ليست هي من سيكون المطالب بانتخابات برلمانية مبكرة، فالعصا هي بيد إردوغان ليحدد ما يريد قصر الرئاسة في شنقايا أم قيادة البلاد كرئيس للحكومة وحزب العدالة حتى عام 2023 الذكرى المئوية الأولى لإعلان الجمهورية. المعارضة التي ستبحث عن مكان تحتمي فيه من الرياح والعواصف التي تسبب بها العدالة والتنمية ستقول لنا إن المنهزم هو قيمنا الأخلاقية حين يذهب الناخب للتصويت لحزب يتهم قياداته بالتزوير والرشى.
هتافات «يا الله بسم الله الله أكبر» تتقدم فيما تتراجع حملة التعرض لإردوغان بسبب كلامه حول «تويتر». رسالة الناخب واضحة إلى الداخل والخارج كما بدا المشهد. نحن هنا لا أحد يتلاعب بنا وجماهيرنا لم تتركنا وهي لم تهزم وهذا الوطن لن نسلمه إلى «بنسلفانيا» كما ردد إردوغان.
المنهزم في هذه الانتخابات وكما قال إردوغان هم الذين هربوا والذين سيواصلون الهرب لكنهم في جميع الأحوال سيدفعون ثمن فعلتهم. «اتفاق الخونة انهزم أمام المواطن التركي ونحن وجهنا لهم صفعة عثمانية لن ينسوها أبدا».
السيناريو المتبقي أمام المعارضة الكلاسيكية مع الأسف هو أن تنحي قيادات اليوم وتفسح المجال أمام تحالف مصطفى صاري غل مرشح الشعب الجمهوري في إسطنبول ومنصور يواش اليميني القومي لإنشاء حزب سياسي جديد يقود محور المواجهة مع إردوغان وطالما أن مؤشرات هذا التحالف ظهرت إلى العلن بإشراف المايسترو غولن في الأسابيع الأخيرة ولا خيار آخر أمامهم بعد الآن.
لكن إردوغان أيضا يعرف تماما أنه لا يمكن له أن يحافظ على انتصاراته ويكسب الشارع دائما إلى جانبه إذا لم يقنع أنصاره قبل خصومه بنتائج عاجلة وشفافة حول قضايا وملفات الفساد والرشى التي ستطارده، وأن الشباب الذي ينتقد حظر شبكات التواصل الاجتماعي لن يتراجع عن مواقفه وأن مقولة المؤامرة لن تكفيه للمضي قدما في قيادة الدفة.
8:32 دقيقه
TT
تركيا: خاسرون ومنهزمون
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة