سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

نجمة في مأوى

كانت سفيتلانا ستالين أشهر منشقة سوفياتية خلال الحرب الباردة. في أبريل (نيسان) 1967 طلبت اللجوء إلى الولايات المتحدة، في أقوى ضربة لسمعة الشيوعية، وبعدها بثلاثة أشهر تعرض السلاح السوفياتي، في 5 يونيو (حزيران)، لأسوأ نكسة في تاريخه. لكن فرار ابنة ستالين إلى ألد أعداء الشيوعية لم يكن الفصل الأخير في حياة مأساوية لابنة شاهدت جثة أمها المنتحرة، ورافقتها حتى الموت سمعة أحد أسوأ جلادي التاريخ.
استقبلتها أميركا كما هو متوقع. الأضواء تحف بها في كل مكان. الجامعات تدعوها إلى إلقاء المحاضرات. الصحف تطلب المقابلات. دور النشر تتنافس على كتبها. والرجال يطلبون ودها، وأحدهم يفوز بيدها، تتزوج وترزق منه بابنة وحيدة، إضافة إلى ابن وابنة من زواج سابق في موسكو. بعد فترة انتهى المهرجان. مل الناس أخبار سفيتلانا ووالدها. بددت كل ما جنته من عائدات كتبها. وقررت أن تنتقل إلى الحياة في بريطانيا. هناك اطلعت ابنتها، التي صارت في الحادية عشرة، على هوية والدها. لكن إنجلترا ضاقت بها بعد قليل، فقررت الرجوع إلى موسكو. هناك بدأ مهرجان جديد، ثم أخذ يذوي، فقررت السفر إلى تبليسي، مسقط رأس والدها. بعد عام شعرت بالملل وجاءت إلى ميخائيل غورباتشوف تطلب الإذن بالعودة إلى أميركا. قال لها وهو يودعها: «اسمعي جيدا يا سفيتلانا، في إمكان الوطن الأم أن يعيش من دونك، لكن أنت لا تستطيعين الحياة من دونه».
فقيرة ومعوزة، عاشت سفيتلانا سنواتها الأخيرة في غرفة في دار للمسنين في ولاية ويسكونسن الباردة، لا دخل لها سوى المساعدة الحكومية الشهرية. انتهت الحرب الباردة ونسيها الجميع ولم يعد سوى القلائل يذكرون من كان ستالين وماذا كان حجم جرائمه. وأميركا التي اعتبرت مجيء سفيتلانا أكبر هدية في الصراع الآيديولوجي مع موسكو، نسيت الأمر تماما، أو شعرت أيضا بالملل.
يكتب نيكولاس تومبسون في «نيويوركر» قصة الرسائل التي تبادلها مع سفيتلانا حتى وفاتها عن 85 عاما في مأوى ويسكونسن. رفضت أن تأتي ابنتها الأميركية لزيارتها كي لا تراها في النزع الأخير، وتنطبع في ذاكرتها الصورة المريعة التي رافقتها طوال حياتها عن جثة أمها المنتحرة. أما ابنتها الروسية من الزواج الأول، فقد رفضت في الأساس رؤيتها أو الكتابة إليها، متهمة إياها بالخيانة الوطنية. وأما ابنها الطبيب فكان قد توفي عن 63 عاما من دون أن تدري بذلك.
هل كان أفضل لابنة ستالين البقاء في روسيا؟ إنها إحدى حكايات الدراما الإنسانية. هناك العشرات منها كل يوم، لكن واحدة منها ليس اسم بطلتها سفيتلانا ستالين.