نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الرهان التركي.. وساعة الحقيقة

أكثر عاصمة زارها القادة الفلسطينيون من رام الله وغزة هي أنقرة.
وراء ذلك رهانات متناقضة؛ عباس يريد من تركيا الأطلسية أن تلقي بثقلها في جهود السعي لتسوية فلسطينية - إسرائيلية، أمّا حماس فكانت تركيا رهانًا لفك الحصار عن غزة، ورصيدًا استراتيجيًا، إذ كانت حماس تُكثر من استخدام مصطلح «دولة الخلافة»، التي تملك إمكانات هائلة لقيام دولة إسلامية عالمية.
الرهانان يفتقران إلى تحديد عملي دقيق لقدرات تركيا في الاتجاهين، فيما يتصل بالتسوية، فأطلسية تركيا لا وزن سياسيًا لها على هذا الصعيد، ولو كان بمقدورها المساعدة لما ظلت حتى أيامنا هذه تطرق أبواب أوروبا الأطلسية، ولا من مجيب في شأن أقل وزنًا من تسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
أما حماس صاحبة خيار المقاومة، فكانت تراهن على ماضٍ متلاشٍ مثل «الخلافة»، ذلك أن زمن إردوغان المتهالك على علاقة مع إسرائيل، يختلف كليًا عن زمن محمد الفاتح وجيوشه وحريمه وولاياته.
وفي حالة كهذه لا بد أن تأتي ساعة لمواجهة الحقيقة، واختبار نهائي للرهانات، ويبدو أن هذه الساعة أزفت حين تعلن إسرائيل وتركيا عن اتفاقهما على عودة العلاقات بينهما، وهي في واقع الأمر علاقات استراتيجية تبدو سفينة مرمرة قطرة في بحرها الواسع.
الوهم الأكبر في هذه الحكاية كلها هيمن على رؤوس قادة حماس وحساباتهم، وحين يتبين أن حكاية رفع الحصار عن غزة قد استبدل بها تحسين شروط الحياة داخل الحصار، فساعتئذ توضع النقاط على الحروف، ويظهر الفرق بين الوهم والحقيقة.
لا بد أن تستفيد غزة من تسوية العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وحفظًا لماء الوجه ستجري مبالغة في إظهار المزايا كي تبدو الرهانات واقعية ولا تنطوي على قدر كبير من خداع الذات، ولو دققنا في المزايا التي ستحصل عليها غزة من خلال التفاهم التركي الإسرائيلي لوجدناها تشبه كثيرًا المزايا التي يؤمنها القطريون والألمان والسويديون وحتى الأمم المتحدة.
بالنسبة لإسرائيل فسجن غزة سيتعزز بالجدار المضاعف تحت الأرض وفوقها، الذي بدأت الأعمال به أو ستبدأ قريبًا، أما كيف ستتعامل إسرائيل مع نزلاء السجن الواسع، فهو تعزيز السيطرة ومنح الأتراك بعض المزايا، كاستقبال مساعداتهم لغزة عبر المطارات والموانئ الإسرائيلية، وربما السماح لتركيا بتطوير كفاءة الكهرباء داخل غزة، وربما إقامة محطة لتحلية المياه، وهذه أمور يحتاج إليها الغزيون بإلحاح، إلا أنها لا تعني بأي منطق أو تفسير إرخاء القبضة الإسرائيلية عن العنق الغزي.
إن العقلانية السياسية تكمن في التقدير الدقيق لإمكانيات الصديق والعدو، كما تكمن في تحديد موقع الصغير في أي تحالف مع الكبير، فكل يأخذ حصته من المزايا على قدر وزنه، ودولة إقليمية عظمى مثل تركيا وقعت في خطيئة سوء التقدير لإمكاناتها وإمكانية التأثير على جوارها، والإسلام السياسي، وخصوصًا الفلسطيني منه، أخطأ في تقدير إمكاناته وإمكانات حلفائه، وهذا أثّر بصورة ملحوظة على الخلاصات المختلفة عن المقدمات، ولو قرأت الأمور على هذا النحو من البداية لما ارتفعت أسقف صارت أقرب إلى الخيال حين نتذكرها وقد تواضعت وانخفضت.