شارل جبور
TT

«حزب الله» وعصا الاستقرار

الانفجار الذي استهدف أحد المصارف اللبنانية (بلوم بنك) يندرج في سياق الرسالة الموجهة من «حزب الله» إلى واشنطن بواسطة البريد المصرفي على خلفية العقوبات الأميركية ضد الحزب. ليس مهما الجهة المنفذة للتفجير، وما إذا كانت رسالة تحذيرية من «حزب الله» أم تحريضية ضده، لأن الحزب من الجهات المستفيدة من هذا التفجير للأسباب الآتية:
أولا: يشكل التفجير دعوة تلقائية للولايات المتحدة والمصارف اللبنانية من أجل أن تعيد حساباتها، إذ على الرغم من أن الجهة المنفذة ما زالت مجهولة، لكن الرسالة وصلت إلى المعنيين بأن «حزب الله» لديه مروحة من الخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها، ويخطئ كل من يراهن عكس ذلك.
ثانيا: يشكل التفجير «فرصة» من أجل أن يحسِّن «حزب الله» شروط مفاوضاته مع واشنطن والمصارف اللبنانية، إذ قبل التفجير كان عنوان المرحلة التشدد في الإجراءات مع الحزب، وبعد التفجير تحول التشدد أو في طريقه للتحول إلى ليونة وتدوير زوايا.
ثالثا: يشكل التفجير تخييرا لواشنطن بين استمرار الاستقرار في لبنان وانهيار هذا الاستقرار، ويستغل «حزب الله» حرص واشنطن على الاستقرار من باب اللاجئين السوريين بغية دفعها إلى تليين موقفها من العقوبات وإلا تحويل لبنان إلى سوريا.
ويمكن القول إن التفجير فعل فعله، حيث أيقن الجميع أن «حزب الله» لم يُسقط خيار اللجوء إلى القوة، هذا الخيار الذي يمكن أن يلجأ إليه في أي لحظة يشعر فيها بوجود خطر وجودي، فلا محرمات على هذا المستوى، لأن الأساس بالنسبة إليه الحفاظ على بنيته وترسانته، وعندما استخدم السلاح في بيروت والجبل في 7 مايو (أيار) 2008 استخدمه تحت عنوان «الدفاع عن السلاح».
والمحطة الأخيرة المتصلة بالعقوبات يعتبرها الحزب المحطة الخامسة في سياق العمل على استهدافه، حيث إن المحطة الأولى كانت مع القرار 1559، والمحطة الثانية مع حرب يوليو (تموز) 2006، والمحطة الثالثة مع «استدراجه» إلى المواجهة في الداخل في 7 مايو 2008، والمحطة الرابعة الحرب السورية.
وعلى غرار ما حصل في مايو 2008 أعطى «حزب الله» انطباعا في ملف العقوبات بأنه لن يتردد في اللجوء إلى القوة مجددا متى استشعر خطرا، الأمر الذي يبقي لبنان في حالة دائمة من عدم الاستقرار معطوفة على فقدان السيادة، حيث إن تمسك الحزب بسلاحه يشكل في حد ذاته انتهاكا للسيادة، في حين أن أي مواجهة جدية معه من أجل استعادة السيادة يواجهها بضرب الاستقرار.
ولا يبدو أنه من السهل كسر هذه المعادلة، ما يعني أن لبنان باق في غرفة العناية الفائقة من دون سيادة ولا استقلال، والأسوأ أنه معرض للانفجار في اللحظة التي يشعر فيها «حزب الله» أن وجوده مهدد، وهذا فضلا عن أن دوره يستجلب الحروب إلى لبنان.
وإذا كان انفجار «بلوم بانك» ترك انطباعا بألا بيئة سياسية حاضنة لقرار العقوبات الأميركي، وأن القوى السياسية على اختلافها تريد تجنُّب أي مواجهة مع «حزب الله» تحت عنوان «أم الصبي» والحفاظ على الاستقرار، ولكن هذه الصورة لا تعني أن البيئة اللبنانية مدجنة، لأن أي مغالاة من قبل الحزب أو خطوات استفزازية وغير محسوبة تدخل لبنان في دوامة من العنف المفتوح.
وقد أعطت نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس إشارة واضحة بأن الرأي العام لن يغض النظر عن أي تهاون مع الحزب الذي يدرك أن الحالة السياسية التي دجنها في العام 2008 اختلفت في العام 2016 بفعل العمق السوري والعصب الذي ولّدته الحرب السورية، والموقف السعودي الذي انتقل من الدبلوماسية إلى المواجهة بعدما لمس أن المشروع الآخر ماض في سياسته الرامية إلى الهيمنة على القرار العربي.
وفيما يرجح أن تكون عبوة «بلوم بنك» خدمت أهدافها بالحد من تداعيات العقوبات، ودلت على نجاح «حزب الله» باستخدام العصا للتلويح بفرط الاستقرار في كل مرة يشعر فيها أن سلاحه مستهدف، فإن المعادلة التي ستحكم لبنان في المرحلة المقبلة تقوم على الآتي: استعداد الحزب لتفجير لبنان متى استشعر بالخطر، ولكن من دون التقليل من حذره الشديد من الإفراط في استخدام القوة التي تجر لبنان إلى حرب أهلية لا يريدها «حزب الله» لثلاثة أسباب أساسية: تُعطِّل دوره في القتال السوري، وتدفعه إلى الانكفاء إلى المربع الشيعي الجغرافي، وتُشرِّع لبنان أمام حرب إسرائيلية جديدة.