تشارلز بلو
كاتب أميركي
TT

روسيا.. ماذا بعد القرم؟

يحاول الرئيس أوباما السير على حبل مشدود، رقيق كالخيط ومتدلٍّ فوق الخطر، بشأن غزو وضم روسيا لشبه جزيرة القرم. كما أن عليه إسكات النقاد في الولايات المتحدة إضافة إلى رفع معنويات حلفائه في الخارج. وليس أحد الأمرين بالسهل، ولا شيء مضمون. وقد أصبحت الصيحات في الداخل تصم الآذان، بينما الجمهوريون يرقبون. واقترح مرشح الحزب الجمهوري السابق ميت رومني أن الرئيس أخطأ في حساباته حول فلاديمير بوتين وطموح روسيا واستعدادها للعدوان، مما أعطى انطباعا عالميا عن الرئيس والولايات المتحدة بأنهما يتصفان بالجبن والضعف والتردد وعدم المقدرة على إيجاد الحل، وأنهما فشلا مرة بعد أخرى في الوقوف بقوة كافية مع المنشقين من دول أخرى في سعيهم لتحقيق الحرية والعدالة.
وقال ميت رومني في مقابلة في برنامج قناة «سي بي إس»، «واجه الأمة»: «إن الرئيس ساذج فيما بتعلق بروسيا، وأدى سوء تقديره لنيات روسيا وأهدافها إلى عدد من تحديات السياسة الخارجية التي نواجهها». وواصل قائلا: «للأسف بسبب عدم توقع نيات روسيا، لم يستطع الرئيس تشكيل نوع الأحداث التي كانت قد تمكن من منع مثل الظروف التي تشاهدونها في أوكرانيا».
يصر من يرفض أن يهزم على أن يدافع عنه، ولكن كما هو الحال في الكثير من هذه الظروف، فإن اللعبة بين الدبلوماسية والقوة وبين الردود العدوانية والمناسبة، هي أكثر تعقيدا مما قد تبدو للنظرة العاقلة. والحقيقة هي أن الغرب - الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين - ليس لديهم كبير تأثير على روسيا. كما أن الأوروبيين مدمنون ومعتمدون على الغاز الروسي، مما يزيد من خوفهم من معاداة موسكو.
والرئيس أوباما مدرك لذلك، وقال ضمن خطابه في بروكسل الأربعاء الماضي إن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تقليل اعتماده على الطاقة الروسية. كما حث قادة الاتحاد الأوروبي على المضي قدما نحو تفعيل الاتفاقية التجارية لعبر الأطلسي المعلقة، التي ستسمح لأوروبا بالحصول على المزيد من الغاز من الولايات المتحدة، لكن هذا هدف استراتيجي بعيد المدى، ولن يغير الخريطة الجيوسياسية في المستقبل القريب.
وأوضح الرئيس حتى وهو يعاقب العدوان الروسي: «افهموا أيضا أن هذه ليست حربا باردة أخرى ندخل إليها؛ فرغم كل شيء، خلافا للاتحاد السوفياتي، فإن روسيا لا تقود كتلة من الأمم وليس لها آيديولوجيا عالمية. ولا تسعى الولايات المتحدة ولا الناتو إلى أي نزاع مع روسيا. في الواقع إننا ولأكثر من 60 سنة اتفقنا في الناتو على عدم ادعاء ملكية أراضي الغير، بل الحفاظ على الأمم حرة. ما نفعله دائما هو احترام التزامنا السامي، وواجبنا بموجب المادة 5، والدفاع عن سيادة وسلامة أراضي حلفائنا. ولن نتنازل أبدا عن ذلك الوعد. دول الناتو لا تقف أبدا وحيدة».
رغم وجود شراكة عمل بين حلف الناتو وأوكرانيا، فإن أوكرانيا ليست عضوا في الحلف للأسف. فما الذي يمكن فعله سوى تطبيق عقوبات اقتصادية وعزل روسيا، بفعل أشياء، مثل إخراجها من مجموعة الثمانية؟ وهل تؤثر أي ضربة على الاقتصاد الروسي على معنويات بوتين وطموحه؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست واضحة أبدا.
وحتى الشعب الأميركي متنازع حول موقف البلد الحالي في العالم، ودورنا في النزاعات مثل دورنا في شبه جزيرة القرم. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة «سي بي إس»، أن غالبية من استُطلعت آراؤهم قالوا إن الولايات المتحدة كانت أقل مما ينبغي أن تكون عليه بصفتها الدولة الكبرى في العالم، مقارنة بما كانت عليه قبل عشر سنوات مضت (عندما كانت غارقة حتى وسطها في حربين). وقالت النسبة ذاتها تقريبا إنه ليس على الولايات المتحدة اتخاذ المبادرة لحل النزاعات الدولية.
وبينما لا تتفق الغالبية مع معالجة أوباما للأزمة بين روسيا وأوكرانيا، فقد أبدى الجميع ثقتهم في مقدرة الرئيس على معالجة الأزمات الدولية. ووافق معظمهم على العقوبات التي فرضها الرئيس أوباما على روسيا، لكن معظمهم أيضا لا يعتقد أنها ستكون فاعلة. ولا يمكننا أن نطلق على وجهي العملة: الناس. وإني أعزو معظم هذا النزاع الداخلي الذي يشعر به الكثير من الأميركيين إلى إعياء المعركة، أو لعل علي أن أقول إعياء الحرب، «حيث إن نصفا من واحد في المائة فقط من الأميركيين خدم في الزي العسكري في أي وقت من العقد الماضي»، بحسب وزارة الدفاع.
ولا يزال هناك الكثير من جنودنا يخوضون في الدماء في أراض بعيدة ممن سقطوا أو ممن عادوا إلى الوطن منهزمين أو مشوهين أو قتلى. إن مثالية أميركا في كونها القوة العظمى الوحيدة في العالم ذات التأثير اللامتناهي وصاحبة اليد القوية، يصطدم بواقع أننا عاجزون عن أن نكون شرطة العالم وأن لتأثيرنا حدوده، إضافة إلى عدم استساغتنا التامة لمستنقع المعركة دون أهداف واضحة أو حدود زمنية أو استراتيجيات للخروج. ظلت طبول الحرب تقرع وتصمت في هذا البلد لعقود، والأميركيون يتوقون للحظة صمت.
* خدمة «نيويورك تايمز»