تذكر المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة أن الطفل يُمضي في المدرسة أطول وقت في اليوم، بعد الوقت الذي يُمضيه في منزله. أي وبلغة بسيطة جدًا: بعد المنزل، المدرسة هي المكان الذي يقضي فيه الطفل أطول وقت طوال اليوم. وتضيف أن المدرسة لها تأثير رئيسي في صحة الطفل، إذ يُمكنها أن تعلم الطفل جوانب عدة عن الصحة. والمدرسة يُمكنها أن ترفع من مستوى اهتمام الطفل بصحته وممارسة العادات الصحية، كتناول الأطعمة الصحية، وممارسة الرياضة اليومية. والمدرسة يُمكنها أن تمنع ممارسة السلوكيات الصحية الخاطئة، كالتدخين والتنمر بين الأقران، ويُمكنها، إذا توفرت فيها الخدمة الصحية، أن تعتني بالأطفال المُصابين بالأمراض المزمنة، كالربو والسكري وغيرها. ولذا، تتفق المصادر الطبية على أن الاهتمام بصحة الأطفال في المدرسة جزء مهم من الاهتمام بسلامة الأطفال طوال وجودهم في المدرسة.
وتتبنى الأكاديمية لطب الأطفال في الولايات المتحدة American Academy of Pediatrics قضية أن تكون في كل مدرسة ممرضة أو ممرض مُسجل بدوام يومي كامل Full - Time Registered Nurse لتوفير الرعاية اللازمة، إذا استدعى الأمر. وضمن إصدارات الأكاديمية المذكورة في 23 مايو (أيار) الحالي، حدّثت الأكاديمية لوائحها الخاصة بموقفها حول هذا الأمر.
وقالت الدكتورة برينا ويلش هولمز، رئيسة فريق إعداد اللوائح الخاصة بالممرض المدرسي، ورئيسة لجنة الصحة المدرسية في الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال AAP Council on School Health، إن «طاقم التمريض المدرسي إحدى الوسائل الأعلى فائدة في الحفاظ على صحة الأطفال، وحفظهم بصحة جيدة في المدرسة، ومنع الغياب عن حضور المدرسة»، مضيفة أن اللوائح في هذا الشأن تتفاوت بين الولايات المختلفة، وبالتالي فإنها تحتاج إلى تحديث. وقالت الأكاديمية إن اللوائح الجديدة ستصدر ضمن عدد يونيو (حزيران) القادم من مجلة طب الأطفال Pediatrics.
وكانت لوائح الأكاديمية تشير إلى ضرورة توفير ممرض أو ممرضة واحدة لكل مدرسة عدد طلابها 750 أو أكثر من الطلاب الأصحاء، أو لكل مدرسة بها 225 طفلا أو أكثر مُصابا بأحد أنواع الأمراض المزمنة، ويحتاج معونة تمريضية متخصصة. وقال واضعو اللوائح الجديدة إن هذا الذي تم اعتماده في السابق لا يفي بمتطلبات اليوم الصحية للطلاب والطالبات. وعلقت آني شييز، المشاركة في وضع اللوائح الجديدة: «ولأن الاحتياجات الصحية للطالب أصبحت أكثر تعقيدًا وتشعبت، فإن كثيرا من المسؤوليات أضيفت إلى دور ومهمة الممرض المدرسي»، موضحة أن التمريض المدرسي أصبح اليوم يعمل بالتعاون مع طبيب الأطفال للطلاب، وبهذا فهم يُسهمون في تطبيق المعالجات للأمراض المزمنة التي قد يُصاب بها الطفل، ويضعون مع الطبيب خطط المعالجة الخاصة بكل طفل من الطلاب المرضى. وإضافة إلى أن كثيرا من الأطفال يحتاجون رعاية تمريضية وصحية مختلفة، خصوصا في حالات الربو والسكري وأمراض الحساسية المهددة لسلامة الحياة، واضطرابات فرط النشاط ونقص الانتباه r ونوبات الصرع والجروح وغيرها. كما أن هناك مهاما أخرى مُلحّة يقوم بها الممرض لإسعاف الأطفال حال إصابات الحوادث، وأيضًا دورهم في التثقيف الصحي للأطفال حول كثير من الجوانب والسلوكيات الصحية بشقيها الجسدي والنفسي.
وضمن إصدارات المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها CDC، المحدثة في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي، يشير المركز إلى أن «المدارس هي المكان الصحيح لبداية صحية». ويضيف أن النجاح الأكاديمي للأطفال والمراهقين مرتبط بشكل قوي بمستوى سلامة صحتهم، قائلا: «وقد وثقّت المراجعات العلمية أن برامج الصحة المدرسية لها آثار إيجابية على المخرجات التعليمية، وعلى ممارسة السلوكيات المؤثرة بشكل خطير على الصحة. والمدراس تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز الصحة والسلامة للطلاب ومساعدتهم على تكوين سلوكيات صحية سليمة طوال الحياة». ويستطرد قائلا: «وأظهرت الدراسات أن برامج الصحة المدرسية يُمكنها خفض انتشار السلوكيات الصحية الخطرة، وعلى رفع مستوى التحصيل العلمي والنجاح فيه».
وعبر تحليل نتائج البحوث، طورت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها، مبادئ توجيهية وإرشادات واستراتيجيات للمدارس في معالجة السلوكيات الصحية بين الطلاب، وابتكار وسائل وأدوات لمساعدة المدارس على تطبيق هذه المبادئ التوجيهية.
وتعتبر الصحة المدرسية أحد المجالات الحديثة المُقدمة على كثير من التطور في أنحاء مختلفة من العالم، ويأخذ الاهتمام بها أشكالاً مبتكرة في الاستفادة من فرصة وجود الأطفال والمراهقين بالمدارس لساعات طويلة، ويتطور أيضًا في توفير رعاية صحية للأطفال المرضى، بما يُقلل من أيام الغياب عن المدارس، ويُطمئن الوالدين على سلامة أطفالهم، ويرفع من مستوى نجاح العملية التعليمية ومخرجاتها. وفي الولايات المتحدة، تُصدر الرابطة الأميركية للتمريض المدرسي NASN مجلتين علميتين بشكل نصف شهري. ومن أجمل إصدارتها «إطار القرن الواحد والعشرين للتمريض المدرسي» Framework for 21st Century School Nursing Practice، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الذي تم فيه وضع هيكل شامل يتضمن مفاهيم أجزاء ومكونات الممارسة التخصصية السريرية المعقدة للتمريض المدرسي. ويوفر إطار المبادئ الأساسية لممارسة مهنة التمريض المدرسي، مما يعكس موقف الرابطة لأفضل الممارسات القائمة على الأدلة والبراهين العلمية، وتقديم التركيز على الأولويات في أنشطة التمريض المدرسي. كما يوفر إطارا لتوجيهات ممارسة الممرض المدرسي للوصول إلى هدف دعم صحة الطلاب والنجاح الأكاديمي، من خلال المساهمة في خلق بيئة مدرسية صحية وآمنة.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]