طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«ربيع» وجائزة السكة الحديد في «كان»!

سوف تقرأ هذا المقال بعد إعلان جوائز مهرجان «كان» بساعات قلائل، وبالطبع لم ألحق بالتعليق عليها بسبب ظروف الطباعة، ولكنها ستأخذ القسط الوافر من متابعة الزملاء في مختلف المطبوعات والمواقع الإلكترونية والفضائيات، كلها ستبحث عن إجابة واحدة لسؤال كثيرًا ما يتردد وهو: لماذا حصل عليها هذا المخرج أو تلك الممثلة؟ إلا أن هناك جائزة أخرى وعلى استحياء شديد أعلنت قبل أيام قلائل وكان لنا كعرب فيها نصيب، ونحن في الحقيقة مقلون جدًا في هذا المجال، أقصد الجوائز العالمية خصوصًا في «كان»، الجائزة التي أحدثكم عنها نالها الفيلم اللبناني «ربيع» للمخرج الأرميني الأصل فاتشي بولغرجيان، واسمها «السكة الحديد الذهبية»، التي يمنحها عمال السكة الحديد منذ 22 عامًا لأفضل فيلم يعرض في «أسبوع النقاد»، هذه المسابقة الموازية أقصد «أسبوع النقاد» في فعاليات المهرجان عمرها 55 عامًا، أي أنها تأخرت عن بداياته 14 عامًا، ويصبح السؤال: هل فكر عمال السكة الحديد في منح الجائزة على هامش «المسابقة الرسمية» الرئيسية ورفضت إدارة المهرجان فتوجهوا إلى مسابقة النقاد الذين قالوا لا بأس؟ ربما، ومن الشروط لمنح الجائزة كما هو متوفر من معلومات أن يعرض الفيلم الكفاح والمعاناة، وهو متوفر في الفيلم اللبناني، البطل «ربيع» يبحث عن هويته يبدو كأنه متعمد ألا يستخدم سوى العربات في التنقل بين أكثر من محافظة وضيعة ولم يخطئ ولو مرة واحدة واستخدم القطار! بالطبع من حق كل رابطة أو منظمة أن تدلي برأيها في الأفلام، وعلى سبيل المثال توجد جائزة تُمنح لأفضل كلب يقدم مشاهد تمثيلية في أفلام المهرجان، وعند إعلان النتائج يرتدي الكلب «الاسموكن» و«الببيون» ويصعد على خشبة المسرح لتسلّم جائزة «العظمة الذهبية»، وليس من المستبعد ولا الغريب أن يفعلها عمال السكة الحديد. ولا تنس أن قسطًا وافرًا من ضيوف المهرجان خصوصًا الأوروبيين يفضلون القطار لأنه الأرخص نسبيًا، وهكذا لعمال السكة الحديد دورهم الحيوي في إنجاح المهرجان، وتبقى ملامح الجائزة تحتاج إلى نوع من إعادة النظر للبحث عن صلة داخل الشريط السينمائي لها علاقة بالسكة الحديد، مثلاً توجد منظمات دينية تمنح جائزة تبعًا للقيم الأخلاقية النبيلة، التي يتبناها الفيلم الذي يدعم هذا الاتجاه، وهذا بالطبع مفهوم ومطلوب، ولكن تظل جائزة السكة الحديد بحاجة إلى توصيف محدد.
في كل الأحوال وحتى نُصبح على نفس الموجة، من حقكم أن تتعرفوا على الفيلم في عُجالة، ربيع هو مغنٍ شاب ضرير، ويكتشف في اللحظة التي يقرر فيها السفر خارج الحدود للمشاركة في حفل غنائي أنه لا يحمل هوية، وينتهي الفيلم بأن يحمل هوية مزورة فلا أحد يعرف بالضبط الحقيقة، وحتى من يعرفها يفضل الاحتفاظ بها. فيلم متوسط القيمة فنيًا، ومن الممكن أن تقرأه سياسيًا أيضًا في تناوله حال الإنسان العربي، كما أن اختيار المخرج اسم ربيع لا يبدو بريئًا ولا هو بالطبع عشوائي، لأنه يجعلك على الفور تتذكر ثورات الربيع العربي، وما أدت إليه من نتائج مغايرة عكس الآمال والطموحات العريضة التي ارتبطت بها في البدايات، فهل كان اسم البطل ربيع معادلاً موضوعيًا لثورات الربيع؟ أميل إلى قراءة الفيلم على هذا النحو، فلا نزال كعرب نعاني من الحالة التي آلت إليها «ثورات» الربيع، فلماذا لا نفرح قليلاً بجائزة «ربيع»؟!