نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مبادرة السيسي.. مقومات موضوعية

وقفنا جميعًا في محذور الاعتقاد بأن النار المشتعلة في عدد من بلدان المشرق والمغرب العربي، أجهزت على مركزية القضية الفلسطينية، بل وألقت بها بعيدًا عن الأجندات الإقليمية والدولية.
ومع أن هذا الاعتقاد، وجد من يعمقه ويوظفه ويعمل على جعله أحدَ أسس السياسة الشرق أوسطية، فإن مبادرات سياسية فرضت نفسها أخيرًا، أعادت القضية الفلسطينية إلى مكانها البديهي، كقضية تتصل بكل القضايا المنافسة، وتؤثر بصورة مباشرة في مساراتها ومآلاتها.
وأهم هذه المبادرات مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي خرجت بمنطوقها ومحتواها عن الأحاديث التضامنية المألوفة في المناسبات، لترسم بداية مسار جديد لعملية سلام موضوعية، لا تبدأ من الصفر ولا ترتطم بجدران الفشل المتمادي الذي بعث لفترة زمنية طويلة على اليأس، وكما لو أن القضية الفلسطينية وجدت لتبقى دون حل إلى الأبد..
فما الذي فعله السيسي تحديدًا؟
لقد أظهر رئيس مصر، أن المقومات الموضوعية لإطلاق عهد جديد لتحقيق السلام الفلسطيني - الإسرائيلي المعزز بسلام عربي إقليمي شامل، هذه المقومات لا تزال متوفرة فعلاً، وهي من النوع الذي يمكن الانطلاق منه والبناء عليه، فالجانب العربي المعني أكثر من غيره، طرح مبادرة السلام التي بدأت سعودية واستقرت عربية وإسلامية، وأميركا وأوروبا وروسيا والأمم المتحدة طرحت خطة خريطة الطريق، وكانوا أسسوا إطارًا هو اللجنة الرباعية، والآن هنالك المبادرة الفرنسية التي إن توغلت في العمل، فهي لن تجد صعوبات الانطلاق من الصفر، بل لا مناص أمامها من تنسيق الجهد مع الآخرين، وإيجاد برمجة جديدة لكل المبادرات السابقة، وهذا ما عناه السيسي حين أشار إلى الجهد الدولي، الذي ينبغي أن يستأنف في هذا السياق.
ثم إن الرئيس السيسي، الذي يؤدي مهمة شاقة في مصر، وهي بعث تنمية مستدامة وهو في عين عاصفة الإرهاب الشرس، رأى أن حل القضية الفلسطينية صار شرطًا موضوعيًا أساسيًا، لاستقرار داخلي وإقليمي وحتى دولي، ينتج كما قال: «أمل الفلسطينيين وأمان الإسرائيليين».
إن رؤية كهذه، وإن صدرت بهذا الوضوح عن رئيس أكبر دولة عربية، فهي ليست مجرد رؤية مصرية، بل إنها تعبر عن رؤية معسكر الاعتدال في العالم العربي، وهو بكل الحسابات المعسكر الأقوى والأكثر قدرة على الإسهام في استقرار المنطقة، وإبعاد شبح المغامرات والإرهاب، وأوهام المطامع الإمبراطورية المكلفة التي لا أفق لها ولا نتائج سوى إغراق المنطقة ببحر من الدماء.
غير أن السيسي لا يزال حذرًا في إبداء اليقين بنجاح تلقائي لمبادرته التي لا تزال في نقطة البداية، فقد خاطب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فعليهما يتوقف نجاح أو فشل أي جهد عربي أو دولي لحل النزاع، طلب من الفلسطينيين ترتيب بيتهم الداخلي، وتوحيد قواهم لإثبات جدارتهم في الحصول على حقوقهم الثابتة، كما طلب من الإسرائيليين إدراك اللحظة ووعي مغزى الاعتدال والموضوعية، ليس وفق المقاييس الداخلية الإسرائيلية التي غالبًا لا تفضي إلى أي تقدم، وإنما وفق مقاييس العلاقات مع الجوار العربي، وشروط تطبيعها، وكان بليغًا حين ساق المثل المصري ببراعة وتمكن، فالسلام بين مصر وإسرائيل الذي بلغ عمره أربعين سنة، لا يزال باردًا، إلا أن فرصة بعث الدفء فيه ستكون متوفرة ومضمونة، إذا ما أغلق ملف النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، فهذا الملف هو مفتاح لكل الملفات الحيوية الأخرى.
إذن.. مطلوب من الفلسطينيين إنهاء الانقسام والتوحد على موقف سياسي ينسجم مع موقف معسكر الاعتدال العربي، ومطلوب كذلك من الإسرائيليين أن يتوقفوا عن السياسات التي لا تؤدي إلا إلى تأجيج الصراع، وإغلاق الفرص أمام الحلول الموضوعية الممكنة.
لقد تجاوب العالم بحماس شديد مع مبادرة الرئيس السيسي، وكأنه كان ينتظرها منذ زمن، أما إسرائيل التي يبدو أنه أسقط بيدها فلم تستطع إلا الترحيب.. وسيراقب العالم ليرى ما الذي يتلو الترحيب..
فهل نجد في إسرائيل من يتعاون ويستجيب ويطرق الحديد الساخن؟ أم يتغلب في إسرائيل من لا يزال يعتقد أن إدارة الأزمة مع الفلسطينيين أولى من حلها؟
الأيام القادمة ستجيب..