وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

سوريا.. بين انتخابين

كلما تصاعدت وتيرة التدخل العسكري الروسي في سوريا، وكلما ازداد، في المقابل: «التعفف» الأميركي عن أي تدخل دبلوماسي مباشر في النزاع السوري، تزداد فرص تحول هذا النزاع إلى رهينة سياسية محتملة لاستحقاقين انتخابيين: الانتخابات التشريعية في روسيا (المقررة في سبتمبر/ أيلول المقبل) والانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة (المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل).
على صعيد الانتخابات التشريعية الروسية، وعلى الرغم من أن نتائجها شبه محسومة لحزب الرئيس فلاديمير بوتين «روسيا المتحدة»، يبقى تعزيز موقع «الدولة العظمى»، الذي يسعى بوتين لتكريسه خلال ولايته الرئاسية، شعارًا رئيسيًا لمعركة حزبه الانتخابية، وطرحًا دوغماتيكيًا مؤثرًا في الشارع الروسي. وقد يكون الارتفاع الذي سجلته شعبية بوتين في الشارع الروسي في سبتمبر 2015. عقب إعلان قراره التدخل العسكري المباشر في سوريا، مؤشرًا كافيًا لأهمية ورقة الدور الروسي في سوريا في انتخابات «الدوما».
وفي هذا السياق قد يحق لحزب الرئيس بوتين التذكير بما استتبعه تدخله في سوريا من إعادة نظر العواصم الغربية في قدرات موسكو النارية ومرونة حركية جيشها. وحاليًا، وبعد استظلال سلاح الجو السوري الوجود الروسي «لاستثناء» حلب من اتفاق الهدنة الهش، يحق للرئيس بوتين الادعاء بأن تدخله في سوريا استوجب تغييرًا جذريًا في قرار الرئيس أوباما السابق تجنيد فصائل من المعارضة السورية «المعتدلة» وتدريبها والاكتفاء ليس فقط بمدها بأسلحة تقليدية بل أيضًا حجب الأسلحة النوعية عنها.
على ضوء هذه الخلفية يمكن الاستنتاج أن الدعم الروسي لنظام الرئيس بشار الأسد مرشح لأن يزداد توثقًا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية.
وبدوره لا يبدو النزاع السوري وتفرعاته بعيدًا عن حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية وإن كان مرتبطًا بمعطيات داخلية وخارجية أكثر تعقيدًا من قضايا حملة الانتخابات الروسية. ومع اتجاه الانتخابات التمهيدية إلى ترجيح كفتي هيلاري كلينتون (عن الحزب الديمقراطي) ودونالد ترامب (عن الحزب الجمهوري)، قد تكون تصريحات ومواقف المرشحين الرئيسيين من شؤون الشرق الأوسط مؤشرًا أوليًا لما يمكن توقعه من ولاية كل منهما.
مع الأخذ في الاعتبار لما قد تفرضه التطورات الدولية من «مرونة» على دبلوماسيتهما الشرق أوسطية، يمكن التوقع أن تكون هيلاري كلينتون أكثر حذرًا من أوباما في موقفها من التزام طهران بالاتفاق النووي، وبالتالي أكثر تعاطفًا مع مواقف دول مجلس التعاون الخليجي من إيران واستطرادًا من سوريا. وكانت هيلاري كلينتون قد أعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في سياق تأييدها لاتفاق أوباما النووي مع طهران، أنه لا يكفي أن نقول «نعم» للاتفاق، «بل إن ندمجه في إطار استراتيجية أوسع لمواجهة تصرفات إيران المسيئة في المنطقة»، مضيفة أنها ستبدأ «منذ اليوم الأول (لعهدها في البيت الأبيض) بوضع شروط تؤكد لإيران أنها لن تتمكن مطلقًا من اقتناء سلاح نووي».
وعلى رغم من أن سياسات المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، الشرق أوسطية تبدو أكثر انكشافًا من سياسات هيلاري كلينتون، فإن عداءه للنظام السوري لا يقل حدة عن عدائه الانفعالي للإسلام والمسلمين، ليس فقط من منطلق ادعاء الالتزام بالديمقراطية الأميركية بل، كما يقول، من منطلق حرصه على إعادة الولايات المتحدة إلى موقع الدولة الأعظم في عالم القرن الحادي والعشرين، وهو تطلع يستدعي الحد من من تمدد النفوذ الدولي لروسيا، خصوصًا في الشرق الأوسط وعبر بوابة سوريا تحديدًا. وإذا جاز البناء على خلفية المستشار الخاص الذي اختاره لشؤون الشرق الأوسط، أي وليد فارس، يمكن توقع اتخاذه لموقف أكثر معاداة للنظام السوري من هيلاري كلينتون، وإن كان ذلك لا يعني، بالمقابل، تقربًا أميركيًا من الأنظمة العربية الأخرى.
... يبقى ما يمكن أن تفرزه محادثات جنيف من «معجزات» خلال الوقت الضائع بين الانتخابين الروسي والأميركي، ولكن احتمالاتها باتت محدودة في طل استئثار روسيا بورقة الحسم العسكري في سوريا.