كليف كروك
TT

ثمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

جاء التقرير الصادر عن وزارة الخزانة البريطانية حول تكاليف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، متميزًا بالكفاءة والدقة، مثلما هو متوقع. ويوضح التقرير أن تكلفة هذا الخروج ستكون فادحة.
ويعود ذلك إلى أن تقييم التكاليف الاقتصادية المحتملة، يبقى أمرًا غير مؤكد بطبيعته، خاصة في ظل اتساع نطاق النتائج المحتملةـ وهي أوسع كثيرًا عن ثلاث نتائج متنوعة يركز عليها التقرير سالف الذكر. علاوة على ذلك، أغفل التقرير السبب الرئيس وراء الرغبة في دعوة البعض لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو السعي لاستعادة البلاد لقدرتها على حكم نفسها بنفسها.
بوجه عام، ينظر التقرير في ثلاثة بدائل تتعلق بالمستقبل التجاري لبريطانيا حال خروجها من الاتحاد الأوروبي: الاستمرار في عضوية المنطقة الاقتصادية الأوروبية، والتي تعرف باسم «النموذج النرويجي»، أما السيناريو الأكثر قربًا للبقاء في الاتحاد الأوروبي، فهو إقرار اتفاق ثنائي أقل شمولاً مع الاتحاد الأوروبي، على غرار الاتفاق المبرم مع كندا، وأخيرًا ما يصفه التقرير باسم الخيار «الافتراضي» وهو تنظيم العلاقات التجارية على أساس القواعد التي تقرها منظمة التجارة العالمية.
بعد 15 عامًا، تبعًا لهذا التقدير، من المقدر أن تصل خسائر إجمالي الناتج البريطاني إلى 4% حال تطبيق سيناريو المنطقة الاقتصادية الأوروبية، و6%، في حالة السيناريو الكندي، و8%، حال اللجوء لسيناريو منظمة التجارة الدولية. والملاحظ أن هذه التقديرات تتماشى بوجه عام مع ما توصلت إليه دراسات أخرى.
ومع ذلك، تبقى النتائج الممكنة منطقيًا، أوسع كثيرًا عما ورد في التقرير. على سبيل المثال، ما الذي جعل «النموذج النرويجي» الحدّ الأقصى للاندماج الاقتصادي البريطاني في أوروبا؟ في الوقت الراهن، تعد بريطانيا أكثر اندماجًا داخل أوروبا من الناحية الاقتصادية عن النرويج. إذن ما الذي يمنعها من الاستمرار على هذا النحو، مع إقصاء نفسها عن الطموحات السياسية والدستورية الأوسع نطاقًا للاتحاد؟
هناك إجابتان محتملتان عن هذا الأمر، أولهما أن الاندماج الاقتصادي الوثيق، يستلزم بالضرورة درجة ما من الاتحاد الاقتصادي، وهو أمر يمكن الجدال بشأنه. بالتأكيد يتسم الاتحاد الأوروبي بمستوى أكبر بكثير من الاتحاد السياسي عما يحتاجه لتمكين السوق الموحدة من العمل: فعمل هذه السوق ليس بحاجة إلى برلمان أوروبي، ومحكمة عليا، وميثاق حقوق، وجميع الكماليات المتعلقة بحرية انتقال البضائع والخدمات ورؤوس الأموال والعمال.
وتوجد هذه العناصر في الاتحاد الأوروبي ليس لحاجة السوق المشتركة لها، وإنما كخطوة نحو الانتقال إلى الاتحاد السياسي، الذي شكل دومًا هدفًا إضافيًا من وراء الاتحاد الأوروبي قائم بذاته، بل وكان هذا الهدف المبرر وراء عدد من الأخطاء الكبرى الفادحة مثل اليورو.
بصورة أساسية، يمكن لبريطانيا اختيار الاندماج الاقتصادي من دون الآخر السياسي. وإلى درجة ما، سمح لها بالفعل، ذلك أنها غير مشتركة في اليورو ولا منطقة شينغن (التي تسمح بالتنقل عبر الدول من دون عائق)، علاوة على أنها لا تشارك في مبادرات أمنية وقضائية، بجانب تمتعها بإعفاء واضح من الالتزام الذي تنص عليه اتفاقية الاتحاد الأوروبي، تجاه بناء «اتحاد أكثر قربًا». إلا أنه بمجرد أن تفترض أن الاتحاد الأوروبي لن يساعد بريطانيا في التوصل إلى صيغة علاقة، لما بعد انسحابها منه تعود بالنفع على الجانبين، فإن التساؤل التالي الذي يطرأ على الذهن هو: إلى أي مدى قد تذهب أوروبا في معاقبة بريطانيا على انشقاقها؟ ومع ذلك، يبقى من المستحيل معرفة ذلك على وجه التحديدـ لكنني أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيقطع شوطًا كبيرًا لإلحاق الألم ببريطانيا، حتى لو عنى ذلك إلحاق بعض الألم بنفسه.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»