شارل جبور
TT

الحرب السورية لن تنتهي إلا برحيل الأسد

انفراط الهدنة في سوريا كان متوقعًا؛ لأن المعطيات الداخلية والخارجية لم تنضج بعد، فلا المعارضة في وارد التسليم باستمرار الرئيس السوري ولو لمرحلة انتقالية، ولا الرياض يمكن أن تتساهل في تسوية مرحلية قد تتحول إلى
دائمة، ولا المجتمع الدولي على استعداد لإنهاء حكم الأسد ووضع سوريا على سكة التسوية الفعلية، ولا الرئيس السوري بطبيعة الحال في وارد التخلي عن السلطة، بل ما زال يسعى لتغيير الوقائع الميدانية في محاولة لإطالة الأمر الواقع مدعومًا من موسكو وطهران.
وتبعًا لذلك، تبدو كل المفاوضات حول مستقبل الوضع السوري غير جدية ولا مجدية، كما لا مؤشرات إلى قدرة الإدارة الأميركية أو حتى رغبتها في إنهاء هذا الصراع قبل رحيلها، بل تحاول ترميم علاقتها مع الدول الخليجية وفي طليعتها السعودية، نتيجة انحيازها إلى طهران أو عدم تحملها بالحد الأدنى مسؤولياتها في وضع الأخيرة عند حدها في سوريا والعراق واليمن.
ومن الواضح أن واشنطن أرادت من خلال القمة الأميركية – السعودية، والمشاركة في قمة مجلس التعاون الخليجي، التعويض عن سلوكها المنحاز، وتصحيح إدارتها لملفات النزاع في المنطقة، وتجديد تحالفها الاستراتيجي معها، ولكن المشكلة مع الإدارة الحالية أنها تعلن بخلاف ما تمارس، وعلى سبيل المثال هل كانت موسكو دخلت الحرب السورية لولا غض النظر الأميركي؟ هذا التدخل الذي أدى إلى تعويم النظام السوري ورفع سقف شروطه، فيما لو حالت واشنطن دون هذا التدخل، وكان باستطاعتها ذلك طبعًا، لكان النظام الذي شارف على السقوط بحاجة لأي تسوية تنقذ رأسه على المستوى الشخصي، وبالتالي غض النظر الأميركي، كي لا نقول الاتفاق الأميركي - الروسي، أدى إلى تأخير التسوية وترحيلها.
وما ينطبق على موسكو ينسحب على طهران التي تستفيد من غض النظر القائم لتوسيع دورها ونفوذها، فيما لو لمست معارضة أميركية جدية لما استسهلت مد نفوذها بهذا الشكل المكشوف والمفضوح، إلا أن ثمة وجهة نظر أميركية تقول إن هدف واشنطن كان التركيز في بادئ الأمر على الملف النووي لنزع ورقة استراتيجية من يد طهران تمنحها تفوقًا عمليًا ومعنويًا على الدول العربية، وإنه بعد تعطيل هذه الورقة سينتقل التركيز إلى الدور الإيراني، سيما أن واشنطن تصنِّف الدور الإيراني صراحة بالدور المزعزع للاستقرار في المنطقة.
ولكن من الثابت أن الرياض قررت، بمعزل عن كل ذلك، أن تضع حدًا بنفسها للدور الإيراني، وقد نجحت في فرملة اندفاعته في المرحلة الأولى، ونقله من الفعل إلى رد الفعل في المرحلة الثانية، والبدء بتطويقه ومحاصرته في المرحلة الثالثة، وكل كلام عن مقايضات لا أساس له من الصحة؛ لأن السعودية مصممة على إعادة النفوذ الإيراني إلى داخل إيران، وليس على قاعدة استبدال نفوذ بنفوذ، إنما أن تكون كل دولة من الدول العربية سيدة على أرضها ومالكة لقرارها.
ومن هنا لا مساومة عربية، وتحديدًا سعودية، على رأس النظام السوري، خصوصًا أن المواجهة الحقيقية مع طهران هي في سوريا التي تشكل دولة محورية تتيح لإيران الهيمنة على لبنان والتأثير في الصراع العربي – الإسرائيلي، والإطباق على الوضع العراقي، حيث إن سوريا تشكل الجسر الحيوي لإيران باتجاه الشرق الأوسط، هذا الجسر المطلوب إسقاطه لبناء آخر على غرار الجسر الذي يربط السعودية بمصر، أي جسر للتعاون البنّاء لا الهدّام.
ويأتي انفراط الهدنة على أثر الخروج العسكري الروسي، وتشدد الرقابة الدولية على الدور الإيراني، والحصار العربي - الأميركي على «حزب الله»، وحالة الإنهاك التي يعاني منها النظام السوري، وذلك مقابل انتعاش عربي وصعود سعودي، ولكن هذا لا يعني أن الحسم حاصل غدًا، إنما يعني أن الحسم حاصل حتمًا مهما طال الزمن أو قصر؛ لأن لا نهاية للحرب السورية إلا برحيل الأسد.