د. عبد الملك بن أحمد آل الشيخ
مستشار قانوني و كاتب سعودي
TT

زيارة ملكية بنتائج استراتيجية اساستراتيجية سلمان

يمر العالم العربي اليوم، دولاً وشعوبًا، بحالة فريدة من الاستقطاب السياسي الإقليمي والدولي، نتيجة للتحولات السياسية التي عصفت بكثير من الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية. ولا شك أن هذه التحولات وهذا الاستقطاب صاحبتهما صحوة سياسية من قبل شعوب تلك الدول، للمخاطر التي تهدد معاشها وسيادة دولها، جراء بروز لاعبين قدماء - جدد - كروسيا وإيران، مستغلين التردد السياسي لدى الإدارة الأميركية تجاه قضايا المنطقة بشكل عام، والموضوع السوري بشكل خاص، لمحاولة الاستحواذ على القرار السياسي المتحكم في مصير المنطقة ودولها، من خلال التدخل العسكري لكل من روسيا وإيران، سواء كان هذا التدخل إيرانيًا، كما هو في العراق وسوريا واليمن والبحرين، أو في تحكمه في الدولة في لبنان من خلال ذراعه الآيديولوجية والعسكرية (حزب الله الإرهابي) أو كان تدخلاً روسيًا في سوريا حماية للأسد من السقوط. وتقديم أنفسهم للعالم كلاعبين أساسيين، لا بد من أخذهم في الاعتبار عند الدخول في تسويات أو اتفاقات تخص المنطقة ودولها. إن تنامي النفوذ الروسي الإيراني في المنطقة العربية قد فتح الباب أمام التنافس المستقبلي لدول أخرى - البعيدة منها والقريبة - على ثروات المنطقة ومقدراتها، في ظل فراغ سياسي عربي مؤسف.
إن زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لجمهورية مصر العربية لها دلالاتها السياسية المهمة، لما تمثله السعودية من ثقل ديني، وسياسي، واقتصادي، عربيًا، وإسلاميًا ودوليًا، وما لمصر من ثقل سياسي عسكري وديموغرافي وعلمي في العالم العربي على وجه الخصوص، يؤهل البلدين للقيام بدور تاريخي تجاه العالم العربي والإسلامي اليوم، يشفع لهم في ذلك العلاقات المتميزة بن البلدين على مر تاريخهم السياسي، فالعلاقة بين مصر والسعودية ليست وليدة اليوم، فهي راسخة في جذورها، باقية ما بقي الشعبان، لا تتأثر بتغير الزعامات والحكومات، فهي نتاج رؤية سياسية سبقت عصرها، أسسها الملك عبد العزيز - رحمه الله - فمنذ توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين في عام 1926م والعلاقات السعودية - المصرية في تطور مستمر، رغم ما يعتريها من اختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا، بين الفينة والأخرى، إلا أنها تبقى وجهات نظر لا ترقى إلى التأثير على هذه العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وهذا ما أكده الملك سلمان عند تلقيه مكالمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي في 8 فبراير (شباط) 2016 حيث قال: «إن موقف المملكة تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغير» وإن «علاقة المملكة ومصر أكبر من أي محاولة لتعكير العلاقات المميزة والراسخة بين البلدين الشقيقين».
إن هذه الزيارة تأتي بعد عام ونيف من تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية، تلك الفترة القليلة في أيامها، العظيمة في إنجازاتها الداخلية والخارجية، أعاد فيها الملك سلمان الأمل لدى الشعوب العربية والإسلامية، من أنها قادرة على التصدي للمخاطر المحدقة بالمنطقة، إذا ما وجدت الزعامة السياسية المتسلحة بالإيمان وبإرادة سياسية قادرة على تحويل المخاوف لدى شعوبها إلى طمأنينة وهذا ما حققه الملك سلمان، من خلال تكوين تحالفين مهمين، كان لمصر دور محوري فيهما، وهما تحالف «عاصفة الحزم» و«التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب»، وما تبعهما من مناورات «رعد الشمال». إن هذه الزيارة تمثل خطوة غاية في الأهمية لتعزيز روح التعاون بين البلدين، للحفاظ على مقدرات الشعبين السعودي والمصري من خلال الحفاظ على أمن العالم العربي وثرواته. عليه فإن مستقبل واستقرار العالم العربي ونهضته، تحتم علينا، نحن - السعوديين والمصريين - أن نعزز الدور المحوري للعلاقات السعودية المصرية في صياغة هذا المستقبل لمواجهة تبعات تحول موازين القوى في المنطقة، على العالم العربي وشعوبه، وهذا ما تتطلع إليه الشعوب العربية من السعودية ومصر في زيارة الملك سلمان.