نيكولاس كريستوف
TT

هل نفرط في رد فعلنا على الإرهاب؟

هل الإرهابيون أكثر خطورة من أحواض الاستحمام الزلقة؟ وجد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه في مأزق عندما أفادت مجلة «ذي أتلانتيك» بأنه يقول لفريقه مرارا إن الخوف من الإرهاب مبالغ فيه، وإن الأميركيين أكثر احتمالا لأن يموتوا بسبب السقوط في حوض الاستحمام، من أن يموتوا بهجمات الإرهابيين.
كان التوقيت غير مناسب، إذ كان هذا عقب هجمات بروكسل مباشرة، ولكن أوباما محق تماما بشأن حقائقه: هناك 464 شخصا ماتوا غرقا في أميركا في أحواض الاستحمام، أحيانا بعد السقوط، في عام 2013، في حين قتل الإرهابيون 17 شخصا في 2014 (أحدث الأعوام التي تمكنت من جمع أرقام بشأنها). ليست هذه بالطبع دعوة لتقليل الحذر، ففي وقت ما سينتقل الإرهابيون من المواد الناسفة إلى الأسلحة النووية أو الكيمياوية أو البيولوجية التي يمكن أن تكون أكثر خطورة بكثير من هجمات 11 سبتمبر (أيلول). لكن هذه دعوة للتصدي للتحديات العالمية بقدر أكبر قليلا من العقلانية.
المشكلة الأساسية هي أن: العقل البشري تطور لدرجة أننا نسيء بشكل ممنهج، تقدير المخاطر وكيفية الاستجابة لها.
لقد ساقنا خوفنا الشديد من الإرهاب مرارا، إلى اعتماد سياسات مكلفة وذات نتائج عكسية، مثل غزو العراق. ضاعفنا الوسط الاستخباراتي لدرجة أن عدد الأميركيين الذين يحملون تصاريح أمنية، ويعيشون في واشنطن زاد بواقع 7 أضعاف (4,5 مليون). وفي نفس الوقت، رد دونالد ترامب على هجمات بروكسل بدعواته التي تأتي على هوى الحشود، باستخدام التعذيب، ومنع المسلمين من دخول أميركا، وهي الدعوات التي يتفق حتى الخبراء الأمنيون الجمهوريون على كونها منافية للمنطق.
في نفس يوم الهجمات، صدرت ورقة بحثية أعدها جيمس هانسن وخبراء آخرون متخصصون في دراسة المناخ، وهي تقول بأن انبعاثات الكربون تغير من طبيعة عالمنا بشكل أسرع مما كان متوقعا في السابق، بطرق من الممكن أن تتسبب بغرق مدن ساحلية، وأن تؤدي لعواصف أكثر تدميرا من أي مما شهده التاريخ الحديث. والرد؟ تثاؤب.
وهانسن عالم كان حتى وقت قريب جدا، يعمل في وكالة ناسا، ولكنه أيضا معروف بتوقعاته التي تختلف عما هو سائد، عندما يتعلق الأمر بتوقيت حدوثها، ولست أهلا لأقرر ما إذا كان محقا من عدمه. ومع هذا، فمهما يكن من أمر الخلاف على التوقيت، هناك إجماع علمي على أن الانبعاثات التي تحدث تغير من طبيعة عالمنا على مدار 10 آلاف سنة مقبلة. وبحسب تعبير تحليل مهم في شهرية «نيتشر كلايمت تشينج»، فإن «العقود القليلة المقبلة تمثل فرصة قصيرة الأجل لتقليل التغير المناخي واسع النطاق، وذي العواقب الكارثية المحتملة، والذي سيمتد لفترة أطول من تاريخ الحضارة الإنسانية الكامل حتى الآن».
وبمعنى آخر، فإن الاختيارات الانتخابية هذا العام، قد تشكل الحدود الساحلية بعد 10 آلاف سنة من الآن.
سخر كل من دونالد ترامب وتيد كروز، من فكرة أن البشر هم من تسببوا في التغير المناخي، حيث اعتبر ترامب أنها خدعة ابتدعتها الصين للإضرار بالاقتصاد الأميركي (هو يقول الآن إن هذه الجملة الأخيرة كانت مزحة).
النتيجة أن بروكسل نجت من الهجمات الإرهابية هذا الأسبوع، ولكنها ربما لا تنجو من التغير المناخي فالكثير من مناطق المدينة يقع على ارتفاع يقل عن 100 قدم فوق مستوى سطح البحر.
ألا يبدو من الحصافة أن نستثمر في جهود، ليس لتجنب الانتحاريين فحسب، وإنما غرق دول العالم الواقعة في مناطق منخفضة؟
يلفت دانييل إيستي، خبير بيئي في مدرسة ييل للقانون إلى أن «لدينا نظاما سياسيا يشارك بشكل سريع وقوي، في الرد على الإرهاب والمخاطر الأمنية. ولكنه لا يبدو قادرا على تشجيع تحرك على صعيد التغير المناخي وغيره من المخاطر الأقل وضوحا، والتي تنتشر وتتوسع على مدار الوقت».
عندما نرى أفعى غير سامة، تضج عقولنا بالنشاط، ونحن نعالج «التهديد». وهذا لأنه مع تطور العقول الكاملة على مدار عشرات الملايين من السنوات، كانت الثعابين السامة تهديدا قمنا بتوطين أنفسنا على التصدي له، مع خلايا عقلية مفرطة الحساسية تجاه صور الثعابين.
وللأسف، فإن عقولنا ليست مهيأة بشكل جيد للتعامل مع غالبية التهديدات الكبرى، التي نواجهها فعليا في القرن الـ21. فلو حُذرنا من أن التغير المناخي يدمر كوكبنا، فسينشط جزء صغير فقط من قشرة الفص الجبهي لنا (المسؤول عن القلق بشأن المستقبل)؛ ثم سنعود للخوف من الثعابين أو مكافئها العصري – الإرهابيين.
يقول دانييل غيلبرت، أستاذ الطب النفسي في هارفارد، إن نوع التهديدات التي تطورنا لنتعامل معها هو التهديدات الوشيكة وليست التدريجية، والتهديدات التي تتضمن فاعلا شريرا متعمدا، وخاصة ذلك الذي يتخطى ميثاقنا الأخلاقي. ويقول، موضحا نقص الاهتمام لدينا بالاحتباس الحراري، إن «التغير المناخي يحدث بفعل احتراق الوقود الحفري، وليس الاعلام».
وبإيجاز، فإن عقولنا تطورت بشكل مثالي لتناسب العصر الحديث الأقرب، لكنها ليست مهيأة للتعامل مع المخاطر التي نواجهها اليوم. إذا تسبب التغير المناخي فقط بزيادات حادة في عدد الثعابين، فسننتبه سريعا للمشكلة!
ومع هذا فلو ضللتنا عقولنا في بعض الأحيان، فإنها تعطينا القدرة على إدراك عيوبنا وتصحيح أخطائنا. إذن ربما نستطيع أن نضبط أنفسنا على التعامل مع نقاط الضعف لدينا في تقدير المخاطر – ومن ثم يمكننا أن نواجه الدمار المحتمل لكوكبنا، إذا كان تهديدا مشؤوما وعاجلا بنفس قدر ثعبان عابر، غير سام.

* خدمة: «نيويورك تايمز»