شارل جبور
TT

أي دور للبنان في مستقبل سوريا؟

أكثر شعب في العالم يفترض أن يكون معنيًا بمستقبل سوريا هو الشعب اللبناني، لأن كل معاناته في العقود الأربعة الأخيرة متأتية من النظام السوري، الذي كانت مساهمته أساسية في اندلاع الحرب الأهلية واستمرارها، ومن ثم وصايته على لبنان لمدة 15 عامًا.
وقد وصلت شريحة واسعة من الشعب اللبناني إلى قناعة ثابتة بأن الوضع في لبنان لن يستقر في وجود النظام الحالي، وذلك لسببين أساسيين:
السبب الأول يتصل بنظرته العقائدية التي تعتبر لبنان جزءًا لا يتجزأ من سوريا، وترفض الاعتراف بسيادته واستقلاله، وتسعى إلى ضمه إلى سوريا تحت عنوان تصحيح الخطأ التاريخي المتمثل بسايكس - بيكو. وبانتظار أن يحقق النظام السوري هذا الهدف لم يتردد بحكم بيروت من دمشق برفع شعارات فارغة من أي مضمون من قبيل «شعب واحد في دولتين»، أو أن الوجود السوري في لبنان «شرعي وضروري ومؤقت» من أجل تبرير استمراره «الأبدي».
ورغم خروج الجيش السوري في أبريل (نيسان) 2005 بفعل تقاطع الداخل والخارج على رفع اليد السورية عن لبنان، ورغم إقرار التبادل الدبلوماسي بعد هذا التاريخ، فإن العلاقة بين البلدين لم تصطلح نتيجة تمسك النظام بنظرته حيال لبنان، وسعيه لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل خروج جيشه في عام 2005، وبالتالي إعادة إلحاق بيروت بدمشق.
السبب الثاني يتصل بمحور الممانعة وطهران و«حزب الله»، حيث تشكل سوريا بوابة النفوذ الإيرانية باتجاه لبنان وفلسطين، وقد دلت التجربة أيضًا أن لبنان لم يستعد سيادته بعد الخروج السوري من لبنان، لأن «حزب الله» واصل السياسة نفسها التي كان ينتهجها النظام السوري، مع فارق انتقال مركز القرار من دمشق إلى الضاحية الجنوبية، ووضع جيش «حزب الله» محل الجيش السوري.
وفي الوقت الذي يرفض فيه «حزب الله» تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية وتحويل دوره من إقليمي إلى لبناني، تحولت دمشق إلى جسر عبور للهيمنة على لبنان إما مباشرة بواسطة النظام السوري، وإما مواربة بواسطة النظام الإيراني، وبدا لبنان أمام حقيقة ثابتة أن لا استقلال ولا سيادة ولا قرار حر في حال استمرار النظام السوري، أو في حال استمرت الهيمنة الإيرانية على دمشق.
وبما أن «حزب الله» ليس في وارد الالتزام بالدستور والميثاق وسياسة النأي أو التحييد التي شكلت المرتكز الأساسي لميثاق عام 1943 تحت عنوان «لا شرق ولا غرب»، بل إن إسقاطه لمبدأ تحييد لبنان تجاوز الموقف السياسي إلى الانخراط العسكري في الحرب السورية والعراقية واليمنية وغيرها من الحروب، فإن التزام الفريق الآخر المناهض للحزب بسياسة التحييد تحول إلى موقف مبدئي وشكلي ولفظي، بل يشكل ضررًا على لبنان، لأن نجاح المشروع الآخر يعني نهاية المشروع اللبناني، وبالتالي من غير الجائز أن تكون القوى الحريصة على سيادة لبنان واستقلاله في موقع المراقب أو المتفرج على نهاية النموذج اللبناني.
فمصير لبنان سيتقرر في سوريا، لأن المعادلة جد بسيطة: لا دولة ولا سيادة ولا استقلال في لبنان في حال بقاء النظام السوري، والمدخل لعودة الاستقرار السياسي وانتظام الحياة الدستورية يبدأ بسقوط هذا النظام، ولذلك فإن القوى السيادية في لبنان مطالبة بأن تكون شريكة في صناعة مستقبل سوريا، لأنه على هذا المستقبل بالتحديد يتوقف مستقبل لبنان، وهذا تحديدًا ما يقوم به «حزب الله» الذي وضع كل ثقله العسكري والأمني والسياسي دفاعًا عن النظام السوري، لأن المدخل لاستمرار هيمنة الحزب على لبنان يكمن في استمرار حليفه في سوريا.
فسياسة النأي بالنفس تصح في حال تم التزامها من قبل كل المكونات اللبنانية، وتسقط في حال تم خرقها من قبل أحد المكونات كما هو حاصل مع «حزب الله»، ومن ثم والأهم أن مستقبل لبنان سيرسم في سوريا، الأمر الذي يستدعي حضورًا لبنانيًا مكثفًا في كل المنتديات العربية والدولية دفاعًا عن استقلال سوريا ولبنان، لأن لا استقلال للبنان في حال بقاء النظام السوري.