في عام 2009م، عندما تولى الرئيس باراك أوباما منصبه رئيسًا للولايات المتحدة، وبسبب ما شعرت به من فخر لكونه زميل دراسة في كلية القانون بجامعة هارفارد، فكرت في كتابة رسالةٍ إليه أوصيه فيها، كما أوصاه توني بلير، وكما أوصته دراسة صادرة عن معهد بروكينغز ومجلس العلاقات الخارجية، بالاهتمام بالصراع العربي - الإسرائيلي والسعي إلى حلّه، ولكن ظروفًا شخصيةً وعمليةً حالت، حينذاك، بيني وبين أن أُتم تلك الرسالة أو أبعث بها إليه.
ومنذ أيام، ومع اختتام فترة رئاسة الرئيس أوباما، نشرت مجلة «ذي أتلانتك» الأميركية مقالةً تمحورت حول مقابلة معه. وقد انطوت هذه المقالة على العديد من التعابير الخاطئة والمسيئة والمفاهيم المغلوطة التي استخدمها الرئيس الأميركي في حق المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية وقياداتها!! ولست، هنا، في وارد التعليق على ما ورد في المقالة، فقد كتب الأمير تركي الفيصل مقالةً رائعةً نُشرت في صحيفتي «الشرق الأوسط»، و«عرب نيوز»، كما كتب البروفسور جون دوك أنتوني، مقالةً نُشرت في مدونة المجلس الوطني الأميركي للعلاقات الأميركية - العربية، كان فيهما ما يكفي لتفنيد ما ورد على لسان الرئيس أوباما من أغلاط، على الأقل فيما يخص المملكة العربية السعودية.
لكنني أكتب، اليوم، للتعبير عن حالة إحباط شديدٍ من السياسة الخارجية الأميركية، ومن رئيسها، تجاه قضايا الشرق الأوسط بشكلٍ خاص، ومما ورد في المقالة من طروحاتٍ مغلوطةٍ ومستفزة. فبعد فوز الرئيس أوباما في الانتخابات الأميركية، مطلع عام 2009، ليصبح أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، اعتقد مئات الملايين من الناس حول العالم أن هذا الانتصار مؤشر إيجابي على بداية حقبة جديدة من الأمل والتعاون، بالنسبة للمجتمع الدولي. وقد كنت، شخصيًا، فخورًا وأنا أرى خريج هارفارد، يُنتخب لأعلى منصب في الولايات المتحدة، بناءً على وعده بجعل أميركا، بل والعالم أيضًا، أفضل. ولكن الرئيس أوباما أحبط آمال الجميع، وفشل في سياسته الخارجية، خصوصًا تجاه الشرق الأوسط وقضاياه المُلحّة.
وللإحباط الذي أشعر به أسباب عدة؛ أولها: أن من المُعتاد أن نرى رؤساء الولايات المتحدة، في العقود القليلة الماضية، يتخذون من قضايا الشرق الأوسط، وخصوصًا القضية الفلسطينية، درجاتٍ يرتقونها إلى الرئاسة. حتى إذا وصلوا إلى الرئاسة، تدنّت أهمية هذه القضايا في ترتيب أولوياتهم. فإذا قارب أحدهم إنهاء فترة رئاسته، رأى الناسُ منه فورةً من النشاط باتجاه حلِّ هذه القضايا دون أن يُنجز أي شيء يُذكر. حدث هذا من قبل مع الرؤساء رونالد ريغان، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وها هو يتكرر مرةً أخرى مع الرئيس أوباما.
المُختلِف والمحبِط، فيما يتعلق بالرئيس أوباما، هو أنه بادر، في ختام مسيرته الرئاسية، إلى كيل الاتهامات والتعابير الانتقاصية لبعض أقدم وأقوى حلفائه الحقيقيين في المنطقة، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربية، في الوقت الذي يحفل سجله باتخاذ قراراتٍ تتنافى مع العمل السياسي في واشنطن، وبعضها يتنافى مع المنطق والنظرة السياسية الحكيمة بعيدة المدى.
والسبب الثاني لما أشعر به من إحباط هو أن الرئيس أوباما مُنح جائزة نوبل للسلام بعد تسعة أشهر فقط من توليه الرئاسة، رغم أنه لم يفعل شيئًا سوى ذلك الخطاب الرنان الذي ألقاه في جامعة القاهرة عام 2009. وقد كنت آمل أن يستغل الرئيس أوباما سنوات رئاسته ليحقق إنجازاتٍ تجعله يشعر بالاستحقاق والفخر، وهو يضع هذه الجائزة في سجل إنجازاته. ولكنه مع الأسف الشديد، تركنا، أنا وكثيرين غيري، نشعر بإحباط شديد، ليس لأنه فشل في أن يفعل شيئًا يجعله مستحقًا لجائزة نوبل للسلام فحسب، وإنما لأنه ترك الشرق الأوسط، بقضيته الفلسطينية، وكثير من قضاياه الأخرى الساخنة والعالقة، في وضع أسوأ بكثير مما كان عليه عند توليه الرئاسة.
وللقارئ أن يقارن هذا مع منح الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، جائزة نوبل للسلام، بعد مُضي خمسةٍ وثلاثين عامًا على قيادته المفاوضات التي انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، وهي أعوام لم ينقطع فيها عن السعي في إحلال السلام والإسهام، بشكلٍ إيجابي، في حل مشكلات العالم، حتى بعد مغادرته كرسي الرئاسة!!
أما السبب الثالث وراء الإحباط الذي أشعر به فهو أن الرئيس أوباما، رجل قانون متخصص في القانون الدستوري، يُفترض فيه أن يؤمن بسيادة القانون وأهمية الاستناد إلى السوابق القانونية، فشل في التعامل مع الصراع العربي - الإسرائيلي بشكلٍ يستند إلى القانون، كما يستند إلى مكانة أميركا وما يُفترض أن تمثله للعالم من قيم الحرية والعدالة وإحقاق الحق!!
ولست هنا في وارد مراجعة تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، وسرد ما صدر بشأن هذا الصراع من قرارات ومبادرات ومعاهدات مُلزمةٍ قانونيًا، ولكنني أتساءل: ألم يكن في هذه القرارات والمبادرات والمعاهدات، مُستندٌ قانوني كافٍ لرجل القانون، لينطلق بعزمٍ وصدق نحو إحلال السلام الحقيقي في أكثر الأماكن التهابًا في الشرق الأوسط، وربما في العالم؟
أين الجهد الذي وعدت به للوصول إلى اتفاق يُنهي معاناة شعبٍ بأسره، بل منطقة كاملة من العالم؟
اليوم، وأنا أسترجع ما شهدته سنوات رئاسة الرئيس أوباما، وأقرأ تلك المقالة المغلوطة، أجدني في حيرةٍ بين أن أشعر بالأسف لأنني لم أبعث إليه بتلك الرسالة، والشعور بالحزن والإحباط الناتجين عن تلك الأحداث. أما الشيء الذي لا حيرة لديّ فيه، فهو أن الذين يلقون باللائمة على الآخرين، في أعمال كان يجب عليهم هم القيام بها، والذين يؤجلون عمل اليوم إلى الغد، هم المتسلقون والاستغلاليون!
يا لهُ من إحباطٍ مُحزن يا فخامة الرئيس!
TT
يا له من إحباط محزن يا فخامة الرئيس!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة