جيمس غيبني
TT

روسيا ومدى تأثير العقوبات عليها؟

بينما تدرس الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي فرض المزيد من العقوبات على روسيا بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم، تلوح في الأفق احتمالية تكرار الوضع المعقد الذي حدث نتيجة للأزمة التي وقعت بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في عامي 1981 و1982 بسبب إنشاء الاتحاد السوفياتي لخط أنابيب لجلب الغاز من صربيا. ويعتبر هذا الحادث جزءا من الدروس المميزة التي استفاد منها كلا الطرفين.
وفي وقت من الأوقات، كان اتفاق بناء خط أنابيب الغاز - البالغ طوله 3000 ميل لجلب الغاز الصربي إلى أوروبا - من أكبر المشاريع التي جرى تنفيذها بين الغرب والشرق. واعتبر القادة الأوروبيون هذا الأمر فرصة لتنويع مصادر الطاقة أمام أوروبا بعيدا عن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) مع تقديم «السياسة الخارجية لدول غرب أوروبا»، وهي الاستراتيجية التي تبنتها ألمانيا للمشاركة مع اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية.
وعلى الرغم من ذلك، كان المقاتلون في الحرب الباردة في واشنطن متوترين وغير سعداء بهذا الأمر. وفي صيف عام 1981، حاول مجلس الأمن الوطني الأميركي تحت إدارة الرئيس ريغان، أن يتحرك لاتخاذ رد منسق على الإجراء الخاص بخط الأنابيب الذي كان يمثل أيضا فرصة تجارية أمام الشركات الأميركية الرائدة بالأسواق والشركات العاملة في مجال التكنولوجيا. ولم يكن كاسبر وينبيرغر، وزير الدفاع الأميركي، وويليام كيسي، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وجين كيركباتريك، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، يرغبون في تقديم المعرفة أو العملة الصعبة لاتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية، كما كانوا قلقين بشأن مدى الاعتماد على الطاقة الأوروبية. وعلى الرغم من ذلك، أعرب وزير الخارجية الأميركي ألكسندر هيغ عن قلقه بشأن عدم فعالية فرض القيود الصارمة، بما سيؤدي إلى حدوث انشقاق داخل التحالف الأطلسي. وزعم دونالد ريغان، وزير الخزانة، وديفيد ستوكمان، مدير مكتب شؤون الإدارة والميزانية، أن خط الأنابيب سيساعد الاقتصاد العالمي من خلال تعزيز إمدادات الطاقة. وبسبب وجود الكثير من الخيارات والآراء، أعرب الرئيس رونالد ريغان عن شكواه في أحد الاجتماعات قائلا: «إنني الشخص الأكثر ارتباكا بين الجميع».
وفي ظل دعم الاتحاد السوفياتي أدى إعلان الجيش البولندي للأحكام العرفية في بولندا في 13 ديسمبر (كانون الأول) 1981، إلى إجبار ريغان على توضيح طريقة تفكيره. وكجزء من العقوبات التالية المفروضة على النظام العسكري لبولندا واتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية، طلبت الإدارة من الشركات الأميركية التخلي عن العمل في خط الأنابيب الصربي، ولكن من دون اتخاذ قرار لتمديد الحظر على الشركات الأميركية التابعة أو المرخص لها باستخدام التكنولوجيا الأميركية. وبدأت هوة الانشقاق بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تتسع بسبب فرض العقوبات فيما يخص خط الأنابيب. وعندما قررت الولايات المتحدة الأميركية في نهاية شهر يونيو (حزيران) لعام 1982، تطبيق العقوبات على أي شركة تكنولوجيا أميركية أو أي شركة مرخص لها، قال وزير الخارجية الفرنسي، إن القرار «يمكن أن يعمل بشكل كبير على انهيار التحالف الأطلسي، حيث سيكون ذلك بداية النهاية لهذا الانهيار»، وكانت فرنسا من بين الدول التي رفضت الموافقة على ذلك. وبعد ذلك بأشهر قليلة، وافقت الولايات المتحدة الأميركية - في محاولة للتوصل إلى حل وسط وحفظ ماء الوجه - على التراجع عن قرارها بفرض العقوبات الخاصة بإنشاء خط الأنابيب في مقابل وجود رقابة عامة أكثر تقييدا فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا إلى اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية.
ومن ثم، بدا أن هيغ كان على صواب حينما زعم أن «السعي نحو تحقيق الحد الأقصى من أهدافنا، يعد مخاطرة لنا فيما يخص مسألة الانفصال بصورة ضئيلة للغاية، بالإضافة إلى تقويض وإضعاف التحالف بشكل خطير والانعزال عن حلفائنا». وعلاوة على ذلك، نجد أن مارغريت ثاتشر كانت مذبذبة حيال هذا الأمر. ففي أحد الاجتماعات المنعقدة في شهر سبتمبر (أيلول) لعام 1982 مع وينبيرغر قالت ثاتشر لوينبيرغر إنها لا تعتقد أن العقوبات ستساعد في تخفيف حدة القمع في بولندا، وإن إنجلترا قد رأت احتمالية أن قرار الولايات المتحدة الأميركية الخاص بخط الأنابيب سيؤدي إلى إفلاس أربع أو خمس شركات بالمملكة المتحدة. وقد تسبب هذا الأمر في جعل الموقف أكثر سوءا، حيث صار لدى الولايات المتحدة الأميركية القليل من المقترحات التي تقدمها لأوروبا كبدائل للغاز الطبيعي للاتحاد السوفياتي، ولا سيما مع الوضع في الاعتبار التجربة السيئة في مجال الطاقة، التي أظهرت أن الأوروبيين عانوا مواقف صعبة على أيدي موردي الشرق الأوسط.

* جيمس غيبني عضو بهيئة التحرير في «بلومبيرغ فيو»
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»